على قادة العالم أن يتضامنوا ويتخذوا خطوات حازمة ضد التهديد الإيراني
كلمة خلف أحمد الحبتور
مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور
في المؤتمر السنوي الـ27 لصنّاع السياسات العرب - الأمريكيين
هل من مسارات نحو الأمام لأمريكا في المنطقة العربية؟
الأربعاء 31 أكتوبر 2018
من تنظيم المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية-العربية في مبنى رونالد ريغان ومركز التجارة الدولي
1300 Pennsylvania Ave NW, Washington, D.C.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حضرات السادة في المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية-العربية،
السيدات والسادة الكرام،
صباح الخير
أتقدّم بالتعازي إلى الشعب الأمريكي على الضحايا الذين سقطوا في الهجمات على الكنيس في بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، رحمهم الله!
يسعدني أن أتواجد بينكم في العاصمة واشنطن مرة أخرى.وأنا ممتنٌّ للفرصة التي أتيحت لي من أجل تبادل الآراء واكتساب وجهات نظر جديدة في هذه المدينة العظيمة.
إنه المكان الذي يتم فيه اتخاذ القرارات التي تطال بتأثيراتها العالم بأسره، وليس الولايات المتحدة فقط.
نحن نعيش في زمنٍ يسوده التباس سياسي واقتصادي شديد لم يعد بالإمكان توقُّع المستقبل تتداعى المبادئ والقيَم الأساسية التي وُجِدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتتزعزع التحالفات القديمة وتُصاب بالضمور.نخوض في المجهول.وبصراحة، أشعر بقلق شديد!
"أمريكا أولاً" هو شعارٌ يُعزّز الحس الوطني ينبغي على جميع الدول أن تضع مصالح شعبها أولاً. هذا أمر طبيعي، ومع ذلك، فإن الخطوات التي تتخذها الإدارة الراهنة بموجب هذا الشعار تثير نفور أصدقاء أمريكا.
لا توجد بلد كالجزيرة المعزولة نتشارك كوكباً واحداً. وجميعنا مسؤولون عن إيجاد حلول للتهديدات المشتركة. يجب أن نكون شركاء في صناعة القرار.
يتعين علينا تصحيح الأوضاع في البلدان المدمّرة في الشرق الأوسط وأفريقيا ليتمكّن اللاجئون والمهاجرون الاقتصاديون من العودة إلى ديارهم لينعموا بالأمان والفرص. فسوف يساهم ذلك في وضع حد للمخاوف التي تساور شعوب البلدان المضيفة، ومنهم الأمريكيون، الذين يشعرون بأنهم يتعرضون للاجتياح من المهاجرين الأجانب.
نستطيع، التكاتف والعمل معاً على خلق عالم أفضل للجميع، من خلال السعي إلى معالجة القضايا المهمة! لكن للأسف، لا يتحقق ذلك! فكل بلد يعمل لمصلحته الخاصة.
غادرت بلدي الإمارات إلى العاصمة واشنطن قبل نحو 15 يوماً، عندما كان خبر اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي متصدر جميع الأنباء.
لقد صُدِمت بأنه حتى فيما كانت التحقيقات لا تزال جارية لكشف ملابسات اختفائه، نصّب الإعلام الدولي والمحللون والمشرعون في واشنطن أنفسهم مدّعين عامين وقضاة وهيئة محلّفين. وتم توجيه أصابع الاتهام إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
انسحب الرؤساء التنفيذيون في كبريات الشركات العالمية من المؤتمر الاستثماري الذي انعقد في المملكة العربية السعودية، استناداً فقط إلى مزاعم غير مثبَتة. لقد ارتكبوا خطأ كبيراً. وهم الخاسرون. فقد شهد مؤتمر "دافوس في الصحراء" حضوراً جيداً ولافتاً. فأولئك الذين أداروا ظهرهم للسعودية قد أهدروا الفرص التي كانت متاحة لهم وقدّموها على طبق من فضة إلى روسيا والصين وأوروبا.
لقد ظهرت الحقيقة حول مقتل خاشقجي. سوف يُحاكَم المجرمون وينالون العقاب الذي يستحقونه. يفاجئني أن المشرعين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة لا يزالون يطالبون الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على السعودية في مسعى لإلحاق الضرر بعلاقة مبنية على الثقة ومستمرة منذ سبعة عقود. إنه الجنون بعينه!
دعوني أذكّركم بأن المملكة العربية السعودية تؤدّي دوراً قيادياً في الحوار بين الأديان من أجل السلام.
تقود المملكة، بالاشتراك مع الإمارات العربية المتحدة، الدول الأخرى في استخدام القوة الناعمة والأمن. نعمل على إنشاء مؤسسات تساهم في نشر التوعية حول الأيديولوجيات المتطرفة، وفي إطلاق حوارات بين المجتمعات المختلفة.
فيما تبحث الحكومات حول العالم عن استراتيجية عالمية لاجتثاث أيديولوجيا العنف المتطرف، هذا بالضبط ما نعمل على تحقيقه في السعودية والإمارات منذ سنوات طويلة. المؤسف أن بعض البلدان تؤمّن ملاذاً لمرتكبي العنف المتطرف.
أناشد القادة الأمريكيين احترام سيادة المملكة. يجب أن يأخذ القانون مجراه. تحتاج أمريكا إلى السعودية في المعركة ضد الإرهاب. تحتاج أمريكا إلى السعودية للمساعدة على احتواء إيران. تحتاج أمريكا إلى الاستثمارات والمشتريات السعودية التي تساهم في استحداث الوظائف. فلنركّز على ما هو مهم!
الأسبوع الماضي، في الذكرى الـ35 للهجوم على ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت، وقّع الرئيس ترامب عقوبات جديدة استهدفت "حزب الله"، عميل إيران.
وقد وصفها ترامب بأنها "العقوبات الأشد التي تُفرَض على حزب الله". إنه النذر اليسير، وقد جاء متأخراً جداً!
أتساءل لماذا يتم اللجوء دائماً إلى العقوبات الاقتصادية لمعاقبة البلدان غير المنصاعة. نادراً ما تنجح هذه العقوبات!
صحيح أنه قيل إن هذه العقوبات ساهمت في دفع كوريا الشمالية إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات. بيد أن فرض عقوبات على إيران لم يدفع بها إلى تغيير سلوكها العدواني تجاه جيرانها. بل على العكس تماماً! تطلق طهران العنان أكثر من أي وقت مضى لدعمها للإرهاب وعدائها للغرب.
غرّدت وزارة الخارجية الأمريكية بأن إيران قادت، منذ الثورة الإيرانية عام 1979، هجمات إرهابية واغتيالات في أكثر من 20 بلداً حول العالم.
قبل عامَين، وقفتُ أمامكم وناشدتكم كبح الأنشطة المدمِّرة التي تواجه عالمنا. كما في الوقت الحالي، تناولت عدم القيام بإجراءات من جانب الولايات المتحدة في وضع حد لأكبر راعي للإرهاب، وهي إيران.
أتسأل لماذا لم يتم فعل أي شيء للحد من ممارسات الحرس الثوري الإيراني في طهران، والميليشيات الشيعية، و"حزب الله" الذي يُحكم الخناق حول لبنان الجميل، ويضع يده بيد الجزّار السوري.
في عهد الرئيس صدام حسين، كان العراق بمثابة درع للعالم في وجه شرور الملالي. غير أن الاجتياح الأمريكي للعراق الذي كان مهداً للحضارة، وذلك استناداً إلى معلومات استخبارية مغلوطة، أدّى إلى إضعاف بغداد، وأطلق يد إيران، وساهم في صعود "حزب الله". واليوم، تشكّل إيران تهديداً متزايداً للعالم بأسره، وليس فقط للشرق الأوسط.
خلال العقد المنصرم، تعاقب على حكم الولايات المتحدة رئيسان يتّبعان سياسة خارجية على طرفَي نقيض في مجموعة كبيرة من المسائل. لكن عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع التهديدات الإيرانية، المقاربة هي نفسها. اعتمد الرئيس أوباما أسلوباً ليّناً في التعامل مع إيران. والرئيس ترامب يتفوّه بكلام جيد، لكنه يتردّد في اتخاذ خطوات حاسمة ومجدية.
وجّه الرئيس دونالد ترامب انتقادات للنظام الديكتاتوري الفاسد في إيران خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي. وقد أصدرت إدارته عقوبات اقتصادية جديدة ضد إيران وحزب الله في مطلع الشهر الجاري (أكتوبر). غير أن هذه الخطوات ليست كافية! لن تُلحق بهما تداعيات مؤلمة. فروسيا والصين وأوروبا لا تشارك في فرض العقوبات. المطلوب هو تحرك حقيقي وفاعل!
رجاءً إياكم والاعتقاد بأنني أدعو إلى الحرب؛ حاشى! لا نكنّ أي مشاعر ضغينة للشعب الإيراني. الإيرانيون هم شعب طيّب. لقد تعاملنا معهم تجارياً واختلطنا بهم اجتماعياً. ورحّبنا بهم في بلادنا. إنهم شعبٌ فقير ومظلوم لا يتمتع بالحرية؛ وهم أسرى الخوف. يجب تمكينهم بشتّى الوسائل كي يكتبوا مستقبلهم من جديد.
أما فيما يتعلق بدعم النظام الإيراني للإرهاب، يمكن وضع حد له عبر القضاء على "حزب الله"، الذراع الإرهابي العالمي لهذا النظام، وكذلك عبر تمكين الأقليات الإيرانية التي تتعرض باستمرار لسوء المعاملة والقمع من الحرس الثوري، لا سيما الأهواز المحتلّين الذي يعيشون في فقر مدقع، والمجرّدين من حقوق الإنسان الأساسية بما يحول دون تمكنهم من ممارسة معتقداتهم الدينية بحرية.
لقد توسّعت أنشطة "حزب الله" الإجرامية وانتقلت من لبنان إلى العراق وسوريا واليمن وجنوب أمريكا وغيرها من المناطق، وحتى إلى الولايات المتحدة. وليس المكان الذي تختبئ فيه قيادة الحزب سراً نظراً إلى ما تتمتع به الاستخبارات الغربية من إمكانات. تستطيع إسرائيل أن تُحدّد مكان تواجدهم. فماذا تنتظرون؟
يفاجئني الصبر الذي يتم التعامل به مع إيران. لماذا تتحلى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بكل هذا الصبر مع إيران؟ هل يأملون بأنها الابن الضال الذي سيعود ذات يوم إلى أحضان الغرب معلناً توبته؟ إنه وهمٌ بعيد المنال. لن تكفّ إيران أبداً عن تحدّي الولايات المتحدة والعالم المتمدّن.
لقد حان الوقت كي يتحرك العالم من أجل وضع حد نهائي لهذا التهديد المحدق بمستقبل أولادنا.
شكراً لكم.