المجر: ملاذاً آمناً للمستثمرين والسياح
خلف أحمد الحبتور
الكلمة الرئيسية في مؤتمر الاستثمار في الفنادق والمنتجعات وسط وشرق أوروبا والقوقاز (هوتكو)
بودابست، المجر
31 يناير 2017
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم وبركاته
حضرة السيدات والسادة،
أشكركم على دعوتي لإلقاء كلمة في هذا المؤتمر.
زيارتي الأولى إلى المجر كانت في أواخر الثمانينات في مرحلة من التغيير السياسي الكبير. وما شهدته كان دراماتيكياً.
حجزت المجر مكاناً لنفسها، وهو ما ميزها عن الدول المجاورة لها.
غالباً ما وُصِفت بأنني ذو رؤية. لكنني أسمّيه حظاً! ولكن الحقيقة هي أنني استثمرت في أماكن يعتبرها الآخرون أنها لا تحمل أي قيمة. لدي حدسٌ، وفي معظم الأحيان، يتبيّن أنني على حق في الوثوق به.
الاستثمار الأكبر الذي قمت به حتى الآن هو مجمع الحبتور سيتي، الذي يقع في وسط دبي، على ضفاف قناة دبي المائية. في عام 1979، عندما شيّدتُ فندقي الأول في تلك البقعة، سخر الآخرون منّي. أذكر بحنين كيف أن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة حاكم دبي، وصفه بأنه حمار وسط الصحراء. اليوم، أصبح المجمع الجديد قلب المدينة النابض، ويزوره أكثر من عشرين ألف شخص في وقت واحد.
ليس الحبتور سيتي مشروعي الناجح الوحيد من ناحية الموقع. كان منتجع حبتور جراند الأول من نوعه في منطقة جميرا بيتش. والآن أصبح واحداً من الفنادق الجميلة العديدة في دبي مارينا المفعمة بالحياة.
كانت مجموعة الحبتور أول المبادرين إلى شراء قطعة أرض في جزيرة النخلة، دبي التي هي من عجائب الدنيا، والتي باتت تضم الآن فندق والدورف أستوريا دبي المملوك من مجموعتنا.
أنا ممتنٌّ لكل هذه النجاحات. لقد تعلّمت أن النجاح يتحقق بنعمةٍ من الله تعالى أولاً، ثم بفضل الحظ وحسن التخطيط.
عندما اتخذت قرار الاستثمار في المجر، هذا البلد الذي كانت حفنة قليلة من العرب تزوره في ذلك الوقت، وكان العالم يتخبّط في الأزمة الاقتصادية، شكّك الجميع في قراري، وكان بينهم حتى مديرون في شركتي. غير أن أوجه التشابه بين الإمارات والمجر كانت واضحة بالنسبة لي. استطعت أن أرى ما لم يستطع أحد سواي رؤيته. فكلاهما ملاذان آمنان في العالم، ويمتلكان الطاقات اللازمة لتحقيق عائدات ضخمة.
بدأت الاستثمار في هذه البلاد منذ عام 2012 عندما اشتريت فندقي الأول هنا، لو ميريديان – الذي تغيّر اسمه وأصبح ريتز-كارلتون بودابست – وهو أول فندق من سلسلة ريتز-كارلتون يفتتح أبوابه في المجر. يتمتع هذا الفندق الذي كان يُعرَف بقصر أدريا سابقاً بإمكانات هائلة، وأعتقد أنه المكان المناسب لاحتضان اسم متفوق في عالم الفنادق مثل ريتز-كارلتون الذي يشكّل جزءاً من إحدى أكبر السلاسل الفندقية في العالم – ماريوت الدولية.
لاحقاً اشتريت فندق إنتركونتيننتال الرائع الذي يطلّ على نهر الدانوب، ويتيح الاستمتاع بمناظر خلاّبة للمدينة.
وانطلاقاً من ثقتي المتينة بهذه البلاد، اشتريت مؤخراً مبنيَين مكتبيين – مركز رومباش في المنطقة التجارية في بودابست، ومجمع دوروتيا أودفار للمكاتب.
المجر وجهة جيدة للاستثمار لأسباب عدة...
أولاً، سهولة ممارسة الأعمال. تُنجَز الإجراءات بطريقة بسيطة وبالسرعة المطلوبة.
ثانياً، عائدات الاستثمار هنا أكثر إرباحية بالمقارنة مع أي بلد آخر في أوروبا، أو الولايات المتحدة، أو ما يُسمّى الوجهات الاستثمارية الراسخة.
أعتقد أن الأسواق الأكثر نضجاً في أوروبا بلغت الذروة وأصبحت مشبَعة أكثر من اللازم، ولا تولّد سوى عائدات قليلة – أو ربما لا تولّد أي عائدات على الإطلاق، كما أن البيروقراطية تشكّل عائقاً أساسياً أمام المستثمرين.
المجر بلدٌ جميل ذو اقتصاد نابض بالحياة. يقدّم حوافز ومنافع للمستثمرين أكبر من تلك التي تقدّمها الأسواق التقليدية في أوروبا، ما يمنحه ميزة تنافسية تجعله يتفوّق على أماكن مثل لندن وباريس وفرانكفورت وبرلين التي أصيبت كلها بالتراخي، فيما اكتسبت أسواق أخرى "أقل نضوجاً" زخماً كبيراً.
لا بد من الثناء على الحكومة المجرية. فالمجر، وعلى غرار البلدان الأخرى في العالم، عانت بشدّة من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، لكنها نهضت من جديد وبوتيرة أسرع بكثير من عدد كبير من البلدان حول العالم، وأثبتت قدرتها على الصمود بفضل سياساتها الجيدة. حقّقت المجر، بين عامَي 2015 و2016، واحداً من أعلى معدلات النمو في المنطقة.
تدرك الحكومة المجرية أهمية الاستثمارات الخارجية، وتقدّم العديد من المزايا الضريبية وسواها من الحوافز للمستثمرين المحليين والأجانب على السواء. لا يتعرّض أحد للتمييز.
شهد القطاع السياحي ازدهاراً خلال الأعوام القليلة الماضية. تحتل البلاد الآن مرتبة متقدّمة على الساحة العالمية كوجهة سياحية آمنة، وتمرّ طرقات دولية وإقليمية عدة عبر المجر.
منذ انضمام المجر إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، يحقق القطاع السياحي تقدّماً مطرداً. عام 2015، صنّفت منظمة السياحة العالمية المجر الوجهة السياحية الأسرع توسّعاً في أوروبا... مع زيادة النمو في قطاعها السياحي بنسبة عشرين في المئة بالمقارنة مع العام السابق. في ذلك العام، زار أكثر من 11 مليون شخص المجر، وارتفع العدد خلال عام 2016.
منذ بدأت الاستثمار في المجر، شجّعت أصدقائي في العالم العربي كي يحذوا حذوي، ونصحت أصدقائي في مختلف أنحاء العالم على زيارة بودابست. كلما زرت المجر، أرى عدداً كبيراً من وجوههم المألوفة في شوارعها.
شجعت طيران الإمارات – وهي من أكبر شركات الطيران في العالم – لبدء رحلات يومية إلى المجر، ما ساهم في تشجيع زيادة التعاملات بين البلدَين، وعاد بالفائدة على الإمارات والمجر على السواء.
هناك العديد من المزايا التي تجذبني كمستثمر:
-
إنها بلد تسهل ممارسة الأعمال...
-
تشغل موقعاً جغرافياً مثالياً في أوروبا الوسطى – عند تقاطع تجاري بين الشرق والغرب...
-
تملك بنى تحتية متطورة من ناحية الطرقات والشبكات الجوية والسكك الحديدية...
-
بات للشركات الأجنبية والدولية حضورٌ قوي في البلاد في الأعوام الأخيرة.
-
تنعم بالاستقرار السياسي.
أنا أعتبر أن المجر وبعض البلدان المحيطة بها تشكّل مواقع مثالية للاستثمار... مثل النمسا حيث أملك فندق إمبريال فيينا.
لسوء الحظ، تتخبّط باقي البلدان الأوروبية في المشكلات – السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن أزمة المهاجرين المتصاعدة التي ستستغرق أعواماً لا بل عقوداً لتسلك طريقها نحو الحل. تمارس هذه الأزمة – إلى جانب معدلات البطالة المرتفعة أصلاً وفترة الركود المستمرة منذ وقت طويل – تأثيراً عميقاً على اقتصادات منطقة اليورو التي تعتمد على السياحة إلى حد كبير.
المجر وجهةٌ أكثر أماناً بأشواط من الأسواق التقليدية المضطربة التي ترزح تحت وطأة الإخفاق السياسي وتصاعد الإرهاب – ما يؤدّي إلى تراجع أعداد السياح الذين يبحثون عن وجهات بديلة.
العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والمجر قوية، وتزداد متانةً يوماً بعد يوم بما يعود بالفائدة على البلدَين. نتيجةً لذلك، عدد المواطنين الإماراتيين الذين يزورون المجر اليوم أكبر من أي وقت مضى – والعكس. لقد وقّعت الإمارات والمجر اتفاقات اقتصادية وتجارية، وتتعاونان في ميادين عدّة منها الطاقة والزراعة والنقل.
تجمع بين البلدَين علاقات قوية في ميادين الأعمال، ويُبادر مزيد من المجريين إلى الانخراط في مجال الأعمال في الإمارات سنوياً. هناك تعاونٌ كبير بين بلدَينا، ويعوّل رجال وسيدات الأعمال على هذا التعاون.
كذلك تزدهر التجارة بين البلدَين – وتُقدَّر قيمتها بـ700 مليون دولار أمريكي سنوياً.
الإمارات العربية المتحدة هي أرض الفرص. إنها ملاذٌ آمن للعالم، وليس للشرق الأوسط فقط. وأناشد جميع مَن لم يزوروا بلادي القدوم إلى الإمارات ورؤيتها بأم أعينهم.
لنأخذ دبي على سبيل المثال، موطني ومقر أعمالي. أصبح لدي سبعة فنادق في المدينة. والسبب هو أنني أؤمن بدبي. حققت دولة الإمارات الكثير في هذه الفترة القصيرة وذلك بفضل قيادتنا الرشيدة. بلدنا فتية وغنية بالتجارب والخبرات.
يمكنني أن أتكلّم لساعاتٍ وساعات عن الطاقات والإمكانات التي تزخر بها دبي والإمارات العربية المتحدة. ويحدث الشيء نفسه أيضاً عندما أتكلّم عن بودابست.
زيارتي الأولى إلى بودابست كانت بدافع حبّي لرياضة كرة المضرب. شعرت وكأنني في بيتي، ولقيت ترحاباً شديداً من أبناء المجر الرائعين. لكن الدافع وراء استثماري في هذه العاصمة ليس مشاهدها الخلاّبة، إنما لأنني أعتبر أنها تطوّرت وتحوّلت إلى مدينة معاصرة يمكن أن تشكّل اليوم مثالاً يُحتذى للعالم بأسره.
شكراً لكم!