خطاب خلف أحمد الحبتور في المؤتمر السنوي الخامس والعشرين العربي-الأمريكي لصانعي القرار بعنوان "الرئاسة الأمريكية القادمة والعلاقات الأمريكية-العربية: الترجيحات والإحتمالات والعوائق المحتملة"
قاعة أتريوم
مبنى رونالد ريغان ومركز التجارة الدولي
1300 جادة بنسلفانيا NW، ، واشنطن
السيدات والسادة،
صباح الخير،
بداية أتوجّه بالشكر إلى المجلس الوطني للعلاقات العربية-الأمريكية برئاسة الدكتور جون ديوك أنطوني، على دعوتي من جديد للتحدث أمام المؤتمر.
دعوني أخبركم أولاً عن الوطن الذي أنتمي إليه. لقد أبصرت النور وترعرت في الإمارات العربية المتحدة التي تتشارك الخليج العربي مع سبع دول أخرى: المملكة العربية السعودية، دولة قطر، دولة الكويت، مملكة البحرين، سلطنة عمان والعراق – والأهواز، أرض العرب التي استولى عليها الإيرانيون في الخليج العربي.
جئت إلى واشنطن من الخليج العربي، وليس الخليج الفارسي كما تسمّونه أيها الأمريكيون. إنه الخليج العربي. جميع البلدان الثمانية التي تتشارك هذه المياه هي بلدان عربية وشعوبها عربية، ومع ذلك ترفضون الإعتراف بهوية الخليج الحقيقية.
لماذا؟ لا أستطيع أن أفهم. ينبغي على حكومتكم أن تقرّر من هم أصدقاؤها في الشرق الأوسط، فدول مجلس التعاون الخليجي ليست واثقة الآن من أن أسماءها مدرَجة على قائمة الأصدقاء بالنسبة إلى الولايات المتحدة. دول مجلس التعاون الخليجي أصدقاء جيدون لأمريكا، غير أن الحكومة الأمريكية تميل حالياً لصالح إيران. وهذا يبعث على القلق.
إيران هي الراعية الأكبر للإرهاب في العالم. يبدو أن الولايات المتحدة تتناسى هذه الحقيقة من أجل مصالحها الخاصة. النوايا الإيرانية واضحة. تريد إيران أن تكون اللاعبة المهيمِنة في المنطقة. وهي في صدد تحقيق ما تتمنّاه بمساعدة الولايات المتحدة وسواها من الدول الغربية. بدلاً من التركيز على إيران، والتخلص من شرورها، تستهدف الولايات المتحدة حليفتها المخضرمة، المملكة العربية السعودية.
تقلقني كثيراً السلبية تجاه المملكة في شكل خاص ودول مجلس التعاون الخليجي في شكل عام. ينبغي على الإدارة الأمريكية القادمة أن تتذكر التاريخ العريق والصداقة القوية اللذين يربطاننا بالولايات المتحدة. لا بد من طرح السؤال. لماذا الآن؟ التوقيت مؤاتٍ جداً. فمع الإنهيار في أسعار النفط، أدار الجميع ظهرهم للسعودية وبنوا صداقة مع إيران. ما إن رُفِعت العقوبات حتى تهافت الغرب لإنتهاز الفرص. إنهم يسعون خلف الـ150 مليار دولار أمريكي. لقد تفوّق الجشع والمال والمصالح الخاصة على الوفاء.
لقد أعمى المال عيون الغرب. كيف ستُنفَق هذه المبالغ برأيكم؟ هل يعتقد الرئيس أوباما حقاً أنها ستعود بالفائدة على الشعب الإيراني؟ لم يكن آية الله علي خامنئي يوماً بحاجة إلى المال. حتى قبل الصفقة الأخيرة، كانت ثروته تُقدَّر بـ95 مليار دولار. ماذا فعل لشعبه؟ وما الذي يدفع إلى الإعتقاد بأنه سيبادر الآن إلى القيام بشيء ما لمصلحة الإيرانيين؟ حتى جون كيري أقرّ علناً بأن جزءاً من الأموال التي سيتم جنيها جراء تخفيف العقوبات سوف يُخصَّص لتمويل الإرهاب. أعتقد أنه متفائل جداً عندما يتحدّث عن "جزء" فقط من الأموال. قد يمنح القادة الغربيون أيضاً المال مباشرةً إلى الإرهابيين.
ما لا أستطيع فهمه هو كيف يُعقَل أن الولايات المتحدة لا ترى إيران على حقيقتها؟ حكومتكم وأجهزتكم الإستخباراتية هي الأفضل في العالم، ويإمكانها مراقبة الجميع في أي وقت وأي مكان. أنتم تعرفون إيران على حقيقتها، أنا متأكّد من ذلك!
يجب أن نعرف ما هي الجهة التي تقف أمريكا إلى جانبها في المرحلة المقبلة. بحسب الصورة التي تنكشف أمامي، جوابي هو: لا أعلم.
إن إقرار الكونغرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المسمّى "جاستا"، مسمار إضافي يُدَقّ في نعش العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. لقد فُتِحت الأبواب على مصراعَيها أمام قيام بلدان أخرى باتخاذ إجراءات مماثلة. فقد يرى العراق مستقبلاً في القانون فرصة للمطالبة بتعويضات عن الإجتياح الأمريكي، والتجاوزات التي ارتكبتها القوات الأمريكية، وقد تنظر المملكة العربية السعودية في إقرار قانون مماثل. تتحمل إدارتكم الحالية المسؤولية.
آمل بأن يعيد رئيسكم المقبل إحياء ثقتنا بأمريكا ومصالحها. سيكون يوماً تاريخياً عندما يتسلّم الرئيس الجديد منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة وقائد العالم الحر. سيواجه الرئيس المقبل تحديات كبرى. وسوف يصطدم بالعراقيل الأكبر في تاريخ الرؤساء الأمريكيين.
قد تتسألون، من أين لي، أنا المواطن العربي الذي لا أملك جنسية أمريكية، الحق في أن أبدي رأيي بشأن رئيسكم المقبل؟ جوابي هو أن هذا من حقي، لأن كل من يدخل البيت الأبيض يمارس تأثيراً على الجميع، على العالم بأسره.
سوف تساهم سياسات الرئيس الجديد في تمكين أعدائنا أو إضعافهم. يكشف لنا التاريخ كيف يؤثر القادة الأمريكيون في مسار الأمور في الشرق الأوسط من خلال معلوماتهم المغلوطة، وسياساتهم الحمقاء، وحروبهم غير المشروعة.
يجب أن يكون الرئيس المقبل مستعداً لإتخاذ قرارات صعبة. يواجه عالمنا بأسره تحديات هائلة اليوم، ويجب العمل على معالجتها من أجل مصلحتنا جميعاً.
وهذه التحديات هي:
1) الكابوس الذي يقض مضجع الجميع، المسخ الأكبر من صنع الإنسان – "داعش"
2) أزمة اللاجئين العالمية التي تشكّل تهديداً متنامياً للإستقرار... كما أنها مأساة إنسانية كبرى.
3) الخوف من الآخر الناجم عن غياب التثقيف وانعدام المسؤولية لدى وسائل الإعلام.
أناشد الناخبين الأمريكيين أخذ هذه المسائل بعين الإعتبار عند اختيار رئيسهم العتيد. أعلّق آمالاً كبيرة على أن أمريكا ستحسن الإختيار، وعلى أن قائدها الجديد سيتمكن من اتخاذ قرارات صعبة عند الحاجة. التهديدات الأكبر التي نواجهها اليوم هي بسبب الإخفاقات السابقة. لا يمكننا تحمّل مزيد من الأخطاء.
تعيث الحروب خراباً في الشرق الأوسط منذ أكثر من عقد، بسبب اجتياح العراق الذي ثبت بالأدلة والبراهين أنه لم يكن مشروعاً. العالم بأسره مهدَّد. لقد دُمِّرت بلدان، وسقطت أعداد هائلة من القتلى، وهُجِّر الملايين من منازلهم.
ولعل سوريا هي خير مثال عن النتائج التي يتسبّب بها التقاعس. لا يزال المجرم الأكبر في العالم، بشار الأسد، في السلطة. إنه يذبح الرجال والنساء والأطفال يومياً. تحوّلت البلاد أنقاضاً. وذهبت حضارات عريقة ممتدة على آلاف السنين أدراج الريح. وبقي الملعب خالياً أمام إيران وروسيا اللتين تبثّان مزيداً من السموم والشرور.
تدّعي أمريكا أنها "المدافعة عن حقوق الإنسان"، غير أن المجازر التي تُرتكَب يومياً في سوريا ليست كافية للفت انتباهها.
لا يمكنني أن أحصي عدد المرات التي حذّرت فيها من مخاطر التقاعس. لقد ناشدت قادة العالم، عبر الرسائل والمقالات والخطب، الإصغاء إلى تحذيراتي. فهل مَن يصغي؟ لو أعاروا كلامي آذاناً صاغية، لما كنّا نواجه اليوم تهديداً إرهابياً عالمياً.
لو أصغوا جيداً، لما كان "حزب الله"، وجميع الميليشيات الممولة من إيران، وكذلك تنظيم "الدولة الإسلامية" لتتحوّل إلى تهديد خطير كما هو الحال اليوم. سوف أكتفي باستخدام تسمية "الدولة الإسلامية" لمرة واحدة فقط. فهؤلاء الإرهابيون ليسوا مسلمين. الإسلام هو دين السلام. لا يُجيز أي دين ارتكاب هذه الفظائع. وأناشد الجميع التوقف رجاءً عن استخدام هذه التسمية.
أنا على يقين تام من أن السبب وراء ظهور تنظيم "داعش" وسواه من التنظيمات الإرهابية هو الإجتياح الذي قادته الولايات المتحدة في العراق، والحرب في سوريا. لقد أصبح الضرر أمراً واقعاً ومحتوماً، ولا يمكن إيجاد حلول سريعة. علينا أن نتعلّم من الأخطاء السابقة.
وينبغي علينا جميعاً أن نتحمّل مسؤولياتنا. ليست أمريكا المذنبة الوحيدة، بل على الدول الغربية الأخرى والبلدان العربية أن تتحمّل حصتها من المسؤولية. لا يجوز هدر مزيد من الوقت. فتهديد الإرهاب حول العالم أسوأ اليوم من أي وقت مضى. وكل يوم يمرّ يحمل معه خطراً داهماً وحقيقياً بوقوع هجوم إرهابي.
لسوء الحظ، يتسبّب تنظيم "داعش" و"حزب الله"، وما شابه من تنظيمات ومجموعات، بالإنقسام في عالمنا، ونتيجةً لذلك، نعاني نحن العرب والمسلمين من تشويه ثقافتنا وديننا. لقد بلغ رهاب الآخر ذروته.
يجب وضع حد لهذ ا الوباء المتنامي. لا بد من ردع السياسيين الذين يعملون على تأجيج مشاعر الخوف من "الآخر" تحقيقاً لمآربهم الشخصية. يجب قطع الطريق أمام المرشح الرئاسي الذي يستغلّ هذا الخوف لدخول البيت الأبيض. لا يجوز اللعب على وتر العنصرية في الحملة الرئاسية من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
يجب أن تتم توعية الشعب الأمريكي حول خصال القائد الحقيقي. تؤدّي وسائل الإعلام دوراً أساسياً في تسليط الضوء على مزايا القائد المناسب للولايات المتحدة الأمريكية. إنها مسؤولية تقع على عاتقها.
الرئيس المناسب هو شخص يتمتع بالأخلاق والشفافية ولا يؤجّج الخوف تحقيقاً لمآربه.
لطالما عُرِفت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها أرض الأحلام حيث كل شيء ممكن. أمريكا بناها المهاجرون. ويتحدّر المواطنون الأمريكيون من بلدان مختلفة في أصقاع الأرض كافة. لقد ساهم تنوّع الولايات المتحدة في نجاحها. ولا يجوز أن تسمحوا لرئيسكم المقبل بأن يعيدكم إلى العصور المظلمة.
يتعهّد الحلم الأمريكي بأن جميع الرجال والنساء سواسية ولهم الحق في "الحياة والحرية والسعي وراء السعادة". لنأمل بأن يبعث الرئيس المقبل الحلم الأمريكي من جديد.
ختاماً، حان الوقت لوقف الأحاديث السياسية، والتركيز على المشكلات الحقيقية التي تهدّد عالمنا اليوم والعمل على معالجتها. إذا عملنا يداً بيد، سوف نتحلّى بالقوة الكافية للقضاء على الإرهاب في الشرق الأوسط، وفي العالم. من المعلوم أن الإرهاب أكثر انتشاراً إلى حد كبير في البلدان الفقيرة. الإرهاب يستغل الفقر. أما السلام فيزدهر وينمو في المجتمعات الثرية. من هذا المنطلق، يجب إعطاء الأولوية للتخفيف من وطأة الفقر، وعدم التلهّي عن هذا الهدف. إذا عملنا معاً على إيجاد حلول لهذه المشكلة، فسوف يصبح عالمنا مكانا أكثر أماناً لنا جميعاً.
لهذا أعلن أنني أخصّص – كمرحلة أولى – 20 مليون دولار أمريكي من مالي الخاص للتخفيف من وطأة الفقر، وأدعو الآخرين إلى التبرّع بمبالغ مماثلة – أو أكبر. أناشد الحكومات والأفراد والمنظمات العالمية الانضمام إلى هذه المعركة. معاً، نستطيع أن نغيّر العالم.