إنني بطبيعتي أمقتُ كثيراً هدر الطاقات. فلذا أشعر بضيق شديد عندما أرى صديقاً قد أنعم الله عليه من نعمه وهو لا يحفظ تلك النعم و يُدمّر نفسه، وهذا الضيق يتضاعَف مراراً عندما أقف عاجزاً وأنا أرى بلداً أحبّه يتفكّك في حين أنه يملك الكثير من مقوّمات النجاح.
يساورني قلقاً شديداً حيال الاتّجاه الذي تسلكه الأمور حالياً في #مصر، مع العلم بأنه بإمكانها أن تشهد تحوّلاً اقتصادياً واجتماعياً عميقاً وجوهرياً يعود بالفائدة على مختلف شرائح المجتمع هذا إذا ما أديرت أمور البلاد واستُخدِمَت مواردها الطبيعية كما يجب. لقد خاض #المصريون ثورتهم، ولو كنّا في عالم مثالي، لكان يُفترَض بهم أن يتطلّعوا إلى حقبة جديدة من الازدهار وحق تقرير المصير السياسي والحرّية الشخصية. كل شيء كان يُفترَض به أن يكون وردياً، لكنه ليس كذلك للأسف.
على النقيض، الوضع في البلاد خطير لأنها من دون قيادة. لا يتمتّع أحد في المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة أو في الحكومة الانتقالية بالقوّة أو الشجاعة الكافية لكبح الفوضى في الشارع ووضع البلاد على المسار الصحيح. يتلقّى رئيس الوزراء عصام شرف وحكومته الأوامر من المؤسّسة العسكرية، الحاكمة الفعلية لمصر، فيما يبذل الجيش المستحيل لاسترضاء المتظاهرين.
مع كل يوم يمر، يختنق مستقبل #مصر أكثر فأكثر تحت وطأة المجموعات ذات المصالح المتنافسة، والعمّال المضرِبين والمتظاهرين المناهضين للحكومة والعنف الطائفي. فالناس الذين كانوا قانعين بنصيبهم في الحياة ومسرورين بتأمين رغيفهم اليومي قبل الانتفاضة الشعبية، يريدون الآن المزيد وللأسف فإنهم يريدونه في الحال. لطالما كانت #مصر بمثابة وعاء ضغط، والأن حينما رُفِع الغطاء عن هذا الوعاء بات محتواه على وشك أن يغلي ويفور.
من كانوا عاجزين من قبل تذوّقوا طعم سلطة الشعب، ويستخدمون هذه الأداة التي اكتشفوها حديثاً سلاحاً يشهرونه في وجه الحكومة الانتقالية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لتحقيق مبتغاهم. لكن الحرية لا تمنحهم حق إحراق دور العبادة، وإلحاق الأضرار بالسفارات الأجنبية، والعبث بأملاك الدولة ومحاربة القوى الأمنية الحكومية. ربما يعتقدون أنهم يمارسون حرياتهم الديموقراطية، أما حقيقة الأمر فهي أنهم يرتكبون أعمالاً إجرامية.
المفارقة هي أن السلوك البلطجي لحفنة ضئيلة يمكن أن يسرق بكل سهولة من جميع المصريين حرّياتهم المكتسَبة بشق النفس، ويقضي لعقود طويلة على برعم الديموقراطية الذي بدأ يتفتّح. مع انقسام السكّان أكثر فأكثر بين من يثقون بقيادة المؤسّسة العسكرية وبين من يتّهمون المجلس الأعلى بالسعي إلى الاحتفاظ بالسلطة، ثمة خطر بأن يحاول بعض المغامرين المتهوّرين الانقلاب على الجيش، الأمر الذي يمكن أن يتسبّب بحرب أهلية.
تفادياً لإراقة الدماء في الشوارع، من الضروري أن يمسك المجلس الأعلى للقوات المسلحة بزمام الأمور قبل أن تخرج عن السيطرة. آن الأوان كي يتّخذ المشير محمد حسين طنطاوي موقفاً حازماً ويُحدّد للناس خطوطاً حمراء لا يمكنهم تجاوزها، ويجعلهم يدركون بشكل خاص بأنه يجب احترام جميع المصريين بغض النظر عن انتمائهم الديني. لن يقف المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على رأسه، مكتوف اليدين، إذا تعرّضت الأقلّية القبطية التي تشكّل حوالى عشرة في المئة من السكّان المصريين، للتمييز أو ساورتها مخاوف مشروعة على أمنها وسلامتها.
نقلت تقارير إخبارية عن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قولها لمحطة "سي إن إن" إن واشنطن ستتدخّل لحماية الأقباط، الأمر الذي نفته وزارة الخارجية الأمريكية. لكن سبق أن اجتاحت الولايات المتحدة العراق وقادت تدخّلاً عسكرياً في ليبيا، وكلاهما بلدان عربيان غنيّان بالنفط، ولذلك ليس مستبعداً جداً احتمال التدخّل في #مصر. فمصر تملك النفط والغاز، وتمنحها قناة السويس قيمة استراتيجية فريدة من نوعها، الأمر الذي قد يدفع بالولايات المتحدة إلى دخولها تحت ذريعة التدخّل الإنساني.
فضلاً عن ذلك، يقع على عاتق الجيش أن يعمل بالتعاون مع الحكومة المدنية الانتقالية من أجل تثبيت دعائم الاقتصاد الذي قالت عنه صحيفة "فايننشال تايمز" إنه "غارق في المستنقع". حيث سجّل احتياطي العملات الأجنبية المصرية تراجعاً بمعدّل الثلث منذ 25 يناير الماضي، ويتأثّر مؤشّر الأسهم وصناعة السياحة سلباً كلما وقعت أعمال عنف في البلاد.
لا يجوز السماح لأقلّية من مفتعلي الشغب بفرض شروطهم. لقد ضاق معظم المصريين ذرعاً بالاضطرابات التي تشهدها بلادهم، يريدون أن يعيشوا حياتهم بسلام. إذا لم يكن هناك أحد في #مصر جاهز وقادر ومستعدّ ليقود الشعب إلى بر الأمان، فالحل الأفضل هو أن تتدخّل دولة صديقة قويّة ومستقرّة وموثوقة موقّتاً لإرساء الاستقرار والأمن، وترسيخ سلطة قضائية نزيهة بالاستناد إلى قوانين عادلة تسري على الجميع.
ليتني أستطيع مشاركة الغالبية حماستها الثورية، و كنت لأفرح كثيراً بالانضمام إلى الاحتفالات المصرية بقلب منشرح. لكنني كنت أعلم في قرارة نفسي أن النهاية قد لا تكون سعيدة، ولذلك حذّرت في العديد من المقالات التي كتبتها من المخاطر والعقبات التي تلوح في الأفق – وناشدت المسؤولين السيطرة على زمام الأمور في البلد العربي الأكبر. هذا البلد العزيز جداً على قلبي وقلوب أبناء جيلي جميعاً من العرب الذين كانوا يضعونه في مصاف بلدانهم الأم.
مجدداً أقول إن الديموقراطية تستطيع أن تنتظر. على الجيش أن ينهض بمسؤولياته ويمسك بزمام الأمور لإنقاذ المصريين من #أنفسهم، وإلا تتحوّل #مصر العظيمة إلى جمهورية موز فقيرة وخارجة عن القانون.