كانت كلمة "#بغداد" في ما مضى رمزاً للثقافة والقومية العربية. و كان #العراق القلب النابض لعالمنا العربي منذ الخلافة الأموية في القرن السابع. بنى العبّاسيون العاصمة #بغداد، وكان يُعرَف عن شعبها بأنه الأوسع علماً خلال العصر الذهبي للإسلام. ومهما قلتم عن صدّام حسين، ومهما بلغت همجيّته، إلا أنه كان دوماً نصيراً للقضايا العربية قبل أن يتصرّف بغباء ويرسل جيشه لاحتلال الكويت، القرار الذي كان بمثابة ضربة قاضية لبلاده حيث حوّلتها لقمة سائغة للمفترسين الأجانب.
كان صدام يعلم أن التهديد الأكبر للعرب هو #إيران التي لا تزال تملك حتى اليوم أطماعاً بالسيطرة على الخليج. خاض في سبتمبر 1980 لإسباب عدة حرباً ضد #إيران، منها تحرير العرب المضطهدين في إقليم خوزستان (#عربستان) الإيراني الغني بالنفط، وإعادة الجزر التي احتلّها الشاه في مطلع السبعينات إلى الإمارات العربية المتحدة.
لست في صدد الدفاع عن عيوب صدام وأخطائه الكثيرة، فقد كان حقا ديكتاتوراً متسلّطاً، إنما على الرغم من كل أخطائه، كان عربياً أبياً لا يهاب شيئاً، فقد دعم الفلسطينيين وفتح أبواب #العراق أمام العمّالة المصرية. للأسف لا يمكنني قول الشيء نفسه عن حكّام #العراق الحاليين الذين يبدو أنهم باعوا أنفسهم إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية المجاورة.
يجمع الكل على أن اجتياح #العراق بقيادة #الولايات_المتحدة عام 2003 كان عملا فاشلاً على مستويات عدة. ومؤخراً انسحبت القوّات القتالية الأمريكية تاركةً وراءها انقسامات مذهبية وهجمات إرهابية. فضلاً عن ذلك، يتعرّض أهل السنّة في #العراق للتهميش السياسي على يد الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة الذين كانوا يعيشون في المنفى، والتي تبدو مهتمّة بالاصطفاف إلى جانب طهران، وليس إلى جانب الدول العربية الأخرى.
تتودّد القيادة العراقية إلى #إيران منذ سنوات على حساب إخوانها العرب، ولذلك أعتبر قرار #الجامعة_العربية عقد قمّة في #بغداد الشهر المقبل ضرباً من الجنون، لا سيما وأن الحكومة العراقية تتمادى في مساندة طهران ضد إرادة غالبية الدول الأعضاء في #الجامعة_العربية.
أولاً، تقوم #بغداد بدور حيوي في دعم نظام الأسد، حليف #إيران في سوريا، والذي يدينه أعضاء #الجامعة_العربية بشدّة بسبب حملة القمع الدموية التي يشنّها بحق المدنيين العزّل الذين ينشدون الحرّية. لا عذر للحكومة العراقية في موقفها هذا لا سيما وأن العراقيين اختبروا العيش في ظل نظام ديكتاتوري قاسٍ، ولذلك يجب ألا يتردّدوا أبداً في الدفاع عن شعوب أخرى تجد نفسها الآن في ظروف مماثلة.
حتى إن #بغداد مستعدّة لخسارة علاقاتها مع شريكتها التجارية الأساسية، تركيا، التي اتّخذت حكومتها موقفاً حازماً ضد الأسد والذي كانت تجمعها به يوماً روابط ودّية. لقد دعت القيادة التركية الأسد إلى التنحّي، وتستضيف مخيّمات للاجئين السوريين قرب الحدود. ولذلك باعتقادي أن رئيس الوزراء العراقي إنما هو ينصاع لرغبات #إيران التي أمضى فيها سنوات عدّة في المنفى، والتي ما زال يتردّد عليها باستمرار في زيارات رسمية وخاصة.
ثانياً، تعمل القيادة العراقية على إحباط العقوبات الدولية على #إيران والتي تهدف إلى الضغط على طهران للتخلّي عن برنامج تخصيب اليورانيوم من أجل تفادي غيوم الحرب التي تتلبّد في الأفق. لا تنوي #بغداد التقيّد بالعقوبات الأمريكية والأوروبية، ناهيك عن أنه من شبه المستحيل ضبط انتهاكاتها للعقوبات نظراً إلى الحدود الطويلة التي تملكها مع #إيران. #إيران هي حالياً ثاني أكبر شريك تجاري للعراق، حيث تصل قيمة التبادلات التجارية إلى حوالى 10 مليارات دولار أمريكي سنوياً، وتعمل حالياً على تطوير مزيد من التعاون الصناعي والاقتصادي. فعلى سبيل المثال، وقّعت طهران وبغداد اتفاقاً لإنشاء شركات نقل ذات ملكية مشتركة لتسهيل حركة الركّاب والبضائع بين البلدَين المتجاورين. شخصياً، لا أستبعد كثيراً إمكانية قيام حلف/اتّحاد إيراني-عراقي في المستقبل من شأنه أن يشكّل تهديداً مباشراً لدول الخليج.
بما أن #بغداد تبدو أكثر ولاء لطهران منها للحكومات العربية وفي الوقت الذي تشهد فيه مرحلة من انعدام الاستقرار والأمان، يروّعني قرار #الجامعة_العربية عقد قمّة هناك. ولست الوحيد في موقفي هذا. فقد أوردت صحيفة "الحياة" نقلاً عن أمين عام #الجامعة_العربية نبيل العربي، أن دولاً #عربية عدّة قد تمتنع عن حضور القمّة احتجاجاً على الموقف العراقي من الأحداث السورية. علاوةً على ذلك، أكّد العربي أنه نقل شخصياً اعتراضات تلك الدول إلى الوفد العراقي الذي شارك في #قمة القاهرة مؤخراً.
يتحوّل عراقنا الحبيب شيئاً فشيئاً إلى لعبة في يد طهران، وهذا يشكل كارثة مدمِّرة للعراقيين، السنّة والشيعة على حد السواء، الذين يفتخرون بعروبتهم. يجب أن يتوقّفوا عن التقاتل ويتلاحموا فى مواجهة قيادتهم المتأمرة مع العدو. على العراقيين جميعاً أن يقرّروا إما الانضمام من جديد إلى العالم العربي وإما ترك آلاف السنين من التاريخ تذهب هباءً والسماح لوطنهم بأن يدور في الفلك الإيراني.
بناء على ماسبق، أطلب من حكّام دول مجلس التعاون الخليجي الامتناع عن حضور القمة العربية التي ستنعقد في مارس المقبل في #بغداد أو أي #قمة أخرى قد تنعقد هناك مستقبلاً وعدم إرسال ممثّلين عنهم إليها، قبل أن يقرّر العراقيون في أي جهة/ خندق يريدون الوقوف، وأن يُسمَح للسنّة والأكراد بالمشاركة في اتّخاذ القرارات المتعلّقة بالدولة على قدم من المساواة مع الشيعة.
ينبغي على مجلس التعاون الخليجي أن يبذل كل ما بوسعه للحيلولة دون سقوط #العراق في القبضة الإيرانية؛ وعليه أن يدعم العراقيين التوّاقين إلى إنقاذ بلادهم من احتلال مقنَّع تمارسه #إيران بواسطة الدمى العراقية الموجودة في السلطة. أتطلّع إلى اليوم الذي تصبح فيه #بغداد من جديد نموذجاً يحتذى به في عالمنا العربي، فتجسّد أفضل ما في ثقافتنا وتراثنا. لكن ويا للأسف، لن يأتي ذلك اليوم أبداً ما دامت الحكومات العربية تغمض أعينها عن الحقيقة البشعة.