يصوّب العالم أنظاره إلى الانتفاضة في كل من #مصر وسوريا والاتفاق الذي وقّعه الرئيس اليمني للتنحّي من السلطة وتسليمها إلى نائبه، ويشيح بنظره عن التهديد الذي يشكّله المتمرّدون الزيديون الحوثيون الشيعة الموالون لإيران في #اليمن.
يشنّ الحوثيون تمرّدهم المناهض للنظام الذي يشتدّ بين الحين و الاَخر، منذ عام 2004 انطلاقاً من قاعدتهم في الشمال عند الحدود السعودية. يضمّون في صفوفهم ما يقارب 100000 مقاتل مسلّح، بحسب بعض التقديرات، وهم لا يسعون إلى تطبيق أجندة توسّعية فحسب إنما أيضاً يسعون إلى الإطاحة بنظام الحكم وفرض شريعتهم الدينية الشيعية على البلاد بكاملها وكذلك خارجها، في ما يشبه الإمامة الشيعية برئاسة زعيمهم الروحي عبد الملك الحوثي. والحوثيين يسعون لتحقيق مخططهم التوسعي المعروف حيث أنهم يطالبون بضم عدد من القرى السعودية، كما أنهم خاضوا عام 2009 معارك مع القوات السعودية.
إن انشغال الجيش اليمني بضبط الأمن في أنحاء البلاد الأخرى كان بمثابة هديّة للحوثيين. ففي الأشهر العشرة الأخيرة، نجحوا في توسيع سيطرتهم على الأراضي خارج قاعدتهم الأساسية في صعدة، لتمتدّ إلى أربع محافظات يمنية أخرى، كما أنهم يحكمون سيطرتهم على المعابر الرئيسة إلى السعودية. وقد نجحوا في ذلك لأن الدعم المادّي انقطع خلال الاضطرابات عن القبائل المعارضة لهم في المنطقة، والتي كانت تحظى بالمؤازرة من الرئيس المحاصر علي عبدالله صالح الذي يستعدّ للخروج من السلطة.
يركّز الحوثيون الذين لا يملكون حتى الآن منفذاً إلى البحر، هجماتهم الحالية على محافظة حجّة التي تشكّل نقطة عبور أساسية إلى ميناء ميدي على البحر الأحمر. يعتبر بعض المسؤولين اليمنيين أن إحكام السيطرة على المرفأ هو الخطوة الأولى في الاستراتيجية الأوسع للحوثيين الرامية إلى فتح طريق في البحر الأحمر لاستيراد الأسلحة الثقيلة والإمدادات لاستخدامها في مهاجمة العاصمة #اليمنية صنعاء. وللأهمية لا بد من الإشارة هنا إلى أن السعودية اتّهمت إيران عام 2009 بتزويد الحوثيين بالأسلحة ونفّذت حصاراً بحرياً على الخط الساحلي اليمني الشمالي. يجب التعامل بجدّية كبيرة مع التهديد الحوثي في هذا الوقت الذي يعاني فيه #اليمن من الهشاشة إزاء التأثيرات الداخلية والخارجية الخبيثة.
كراهية الحوثيين للسعودية معروفة جيداً، وأعتقد أنهم أعدّوا خطة مع اًيات الله الإيرانيين لتهريب أسلحة وإرهابيين عبر الحدود باتّجاه السعودية من أجل تنفيذ أعمال إرهابية تهدف إلى زعزعة استقرار المملكة ما إن يتلقّوا ضوءاً أخضر من إيران لمحاولة تدمير مجتمعاتنا الهانئة في دول مجلس التعاون الخليجي.
على غرار "حزب الله" الذي يحظى بالدعم من طهران والحكّام العلويين في دمشق، تستعمل إيران الحوثيين بمثابة عملاء لها من أجل بث أيديولوجية رجعية وقمعية في المنطقة بحدّ السلاح. هذا وتحرّض إيران الأقليات الشيعية في السعودية وسواها من دول مجلس التعاون الخليجي على افتعال المشاكل والاضطرابات.
شهدت الأيام القليلة الماضية قيام بعض الشيعة بالتظاهر ضد الحكومة السعودية في مدينة القطيف في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، مع كتابة شعارات مناهضة للعائلة المالكة على الجدران. ولقد وجّه مفتي المملكة أصابع الاتّهام بوضوح إلى إيران محمِّلاً إياها مسؤولية الاضطرابات والعداء ضد العائلة المالكة، وكلامه يتمتّع بالمصداقية لأننا نسمع رجال الدين الإيرانيين يدعون إلى وضع حد لحكم آل سعود. لقد حمّلت وزارة الداخلية السعودية فيما مضى قوّة خارجية مسؤولية تحريض "الأشخاص المثيرين للفتن"، في إشارة ملطَّفة إلى التدخّل الإيراني. لسوء الحظ، تسمح قطاعات كبيرة من الأقلّيات الشيعية، لإيران بأن تستخدمها بيادق في يدها. ولا شك في أن المثل الأوضح في هذا السياق هو الأوضاع المتفجِّرة في البحرين.
لقد كان الشيعة في البحرين جزءاً لا يتجزأ من المجتمع البحريني وموضع احترام كبير إلى أن بدأت قطاعات كبيرة منهم بتلبية الأوامر الصادرة لهم من طهران، وحاولوا الإطاحة بالملك. العديد منهم ركبوا الموجة وحسب، لكن قادتهم الذين عبّأهم جواسيس إيرانيون هم في رأيي خونة لوطنهم الأم البحرين. كان ردعهم ضرورياً، وأنا بلا شك ممتن كثيراً لتدخّل الجيش السعودي.
اضطُرَّت الحكومة البحرينية إلى اتّخاذ تدابير حاسمة للحؤول دون وقوع ضرر يتعذّر إصلاحه، لكن سلوكها هذا عرّضها لانتقادات شديدة من مجموعات حقوق الإنسان. تحترم بلدان الخليج، حكومة وشعباً، حرّية الجميع وكراماتهم؛ لكن الوضع يختلف عندما تُنتهَك حقوقنا على يد خونة يُزرَعون بيننا لإثارة الانقسامات. في رأيي، لقد نجا أولئك الخونة المأجورون من الخارج بفعلتهم. كانوا يستحقّون المحاكمة والإعدام شنقاً ليكونوا عبرة لكل من تسوِّله له نفسه العبث بأمن البلاد وسلامتها.
لقد فوجئت وخاب ظنّي من "الاستنتاجات" التي توصّلت إليها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق التي نظرت في الانتفاضة والقمع الحكومي، وكان على رأسها الخبير المصري في جرائم الحرب لدى الأمم المتحدة، محمود شريف بسيوني، الذي عيّنه الملك للقيام بتلك المهمة. لقد أظهر التقرير انحيازاً شديداً لمزاعم المتظاهرين، ووجّه انتقادات حادّة لسجل النظام في حقوق الإنسان، ومن المؤسف أن يكون قد أُهدِر كل هذا الورق لكتابته. لقد فشل بسيوني، عن غير قصد أو ربما عمداً، في رؤية الصورة الأكبر، فلقد أعمى عينيه عن العدوى الإيرانية الخبيثة والمدبَّرة التي تتسلّل إلى مختلف أنحاء الخليج وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
يطوّقوننا ويخترقوننا من كل الجهات، ولذلك ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي التي تحاول الآن إيجاد حل للمشكلة السورية، أن تتوخّى اليقظة والحذر. ففي الوقت الذي يكتسب فيه عملاء إيران زخماً في لبنان وسوريا والبحرين والعراق، أقترح على مجلس التعاون الخليجي اتّخاذ الخطوات الآتية بصورة عاجلة:
1. إذا كان الجيش اليمني عاجزاً عن حماية شواطئه ومياهه الإقليمية على البحر الأحمر، ينبغي على قوّة التدخل السريع التابعة لمجلس التعاون الخليجي مساعدة الحكومة #اليمنية لإحكام سيطرتها على خطها الساحلي وموانئها.
2. يتعيّن على مجلس التعاون الخليجي دعم المعارضة العراقية، أي العراقيين الذين هم مواطنون عرب أصيلون، وليس الشخصيات المعروفة بولائها لإيران.
3. يجب على دول مجلس التعاون الخليجي منع دخول الأشخاص والمجموعات المشبوهة التي تعمل لحساب إيران إلى أراضيها، والاستفادة من التكنولوجيات المتطوّرة لرصد تحرّكاتها.
4. ينبغي على أجهزة الاستخبارات والقوى الأمنية في الخليج أن تبذل كل ما بوسعها لاجتثاث الخونة من وسطنا، حتى لو اقتضى ذلك أن نصمّ آذاننا عن الشكاوى من العواصم الأجنبية.
في هذه الأثناء، يهنّئ الحوثيون أنفسهم لأنّهم يتحرّكون بلا رقيب أو حسيب. من شأن صعودهم من جديد أن يدقّ بسهولة إسفيناً إضافياً في نعش الاستقرار والأمن في الخليج، إلا إذا قرّر قادتنا قطع اليد الإيرانية قبل أن تتمكّن من إحكام قبضتها.