إلى متى ستستمر دول الخليج العربي في حالة الإنكار؟ قد تكون كأساً مرّة يصعب تجرّعها، لكن لا يمكننا أن نستمرّ في الادّعاء بأن لدى الجمهورية الإسلامية #الإيرانية نوايا حسنة في حين أنها تزداد عدائية حيال جيرانها العرب. لقد حان الوقت كي يعزّز مجلس التعاون الخليجي قدراته الدفاعية المشتركة وينخرط مع حلفائه للحفاظ على سيادة الدول الأعضاء وأمنها. هل تحتاج قياداتنا إلى مزيد من الإثباتات كي تبدي استعداداً للتخلّي عن اللياقات الدبلوماسية وتضع أوراقها بحزم على الطاولة؟ دعونا من الافتراضات! لا يمكننا أن نستمر في التوهّم في حين أن الوقائع واضحة تماماً.
وكأنه لا يكفي أن طهران تحضّ أقلية من الشيعة في البحرين وشرق السعودية على تنظيم احتجاجات عنيفة مناهضة للحكومة، فها هي تستعرض في الأيام الأخيرة عضلاتها العسكرية في مضيق هرمز وخليج عدن في مناورة أُطلِق عليها اسم "ولاية"، وهي كلمة فارسية تعني "تفوّق" وتنذر بشر مستطير. إن لم تكن رسالة واضحة إلى المنطقة والعالم، فلا أدري ما هي إذاً. في الواقع، لا مجال للتفسيرات المضلَّلة؛ وليس هناك أي مبرّر لمنح القادة الإيرانيين منفعة الشك.
شرح قائد البحرية #الإيرانية حبيب الله سياري الدافع وراء إجراء بلاده مناورات حربية عند عتبة بابنا، معدِّداً الأسباب الآتية: أولا "استعراض قوّة الدفاع والردع #الإيرانية"، وثانيا "توجيه رسالة سلام وصداقة"، واخيرا استعراض "قدرة البلاد على السيطرة على المنطقة واختبار صواريخ وطوربيدات وأسلحة جديدة".
لا شك في أن العبارة الأهم هي "قدرة البلاد على السيطرة على المنطقة"، أما كلمتا "سلام" و"صداقة" فقد أُقحِمتا بسخرية على سبيل الإضافة ليس إلا. يجب أن يقول أحدهم لقائد البحرية إنه لا يمكن ترسيخ الصداقة بحد السلاح. عدد من الصواريخ التي جرى اختبارها عبارة عن صواريخ متطوّرة قصيرة المدى. وليس صعباً أن نحزر ما هي البلدان التي صُمِّمَت هذه الصواريخ لاستهدافها، فهي لن توجَّه بالتأكيد نحو حليفتَي إيران، سوريا والعراق، ولا نحو القوقاز التي تقع ضمن دائرة النفوذ الروسية، ولا نحو باكستان المسلَّحة نووياً.
تلك الصواريخ حُفِرَت عليها أسماء دول مجلس التعاون الخليجي. حسناً، إذا أرادوا أن يلعبوها بهذه الطريقة، إذا أرادوا أن يقوموا بمناورة قديمة وخطيرة تحمل أصداء من الحرب الباردة، فعلى دول الخليج أن توجّه رسالة مماثلة عبر استعراض عتادها وإمكاناتها العسكرية الأكثر تطوراً بأشواط من الإمكانات #الإيرانية. يقول المثل العربي "أن لم تكن ذئبا أكتلك الذئاب".
قد يخيل إلى البعض أن الولايات المتحدة، حليفتنا، سوف تحمينا من العدوان الإيراني؛ وهذا قد يكون ذلك صحيحاً لكن لا يمكننا الاتّكال عليه مطلقاً. يجب أن نكون قد تعلّمنا الدرس. فعندما كانت الإمارات المتصالحة التي تشكّلت منها لاحقاً الإمارات العربية المتحدة، لا تزال خاضعة للحماية البريطانية، لم يُمنَع الشاه من الاستيلاء على جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى. سياسة القوى العالمية الكبرى ليست مبنية على الصداقة، بل على المصالح فقط. يمكن أن تبيعنا في أي وقت قد تراه مناسبا، ولذلك علينا أن نتولّى، بمعونة الله، زمام الأمور بأنفسنا ونتحكّم بمصيرنا.
وجاء التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز أمام السفن في حال فرضت واشنطن عقوبات على صادرات الصناعة النفطية #الإيرانية ليزيد من هشاشة الأوضاع. فخرج علينا حبيب الله سياري بتصريح جديد قائلاً إن بلاده تملك "سيطرة كاملة على المجرى المائي الاستراتيجي" الذي يمر عبره 15 مليون برميل من النفط يومياً. وهو يعتبر بشيء من الغطرسة أن إغلاقه أمام السفن سيكون مهمّة "سهلة جداً" للقوات #الإيرانية.
إذا كان لهذا التهديد أساس ولم يكن مجرّد كلام فارغ، كما يعتقد الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر، فسوف يكون له، في حال تنفيذه، تأثير سلبي للغاية على اقتصادات مجلس التعاون الخليجي، وسوف يتسبّب بارتفاع شديد في أسعار النفط، فيقضي على الجهود العالمية لتثبيت أسعار العملات ولتحقيق الاستقرار في الأسواق.
ردّ ناطق باسم البنتاغون على الكلام الإيراني واصفاً المضيق بأنه "شريان اقتصادي حيوي" قبل أن يضيف بأنه "لن يُسمَح بعرقلة مرور السفن عبر مضيق هرمز". لقد لوّح بإصبعه في وجه طهران، لكن ماذا تنوي الولايات المتحدة أن تفعل حيال الأمر؟ تلوّح واشنطن بإصبعها منذ سنوات في موضوع البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، وهذا ما تفعله أيضاً عواصم أوروبية كبرى، ويستمر التلويح بالإصبع في الوقت الذي يعتقد فيه بعض الخبراء بأن إيران تقترب من صنع قنبلة نووية.
أما في ما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة، فروابطها الدبلوماسية مع إيران تتقلّب بين طرفَي نقيض، إلا أن البلدَين يحافظان على علاقات تجارية قوية. حتى الآن. فبحسب الإعلام الإيراني، منعت طهران افتتاح خطابات اعتماد للواردات الإماراتية وأعلنت عن نيّتها تعليق التجارة بين البلدَين. وقد نبّه مسؤول إيراني الإمارات العربية المتحدة إلى وجوب "مقاومة الضغوط العقيمة التي تمارسها القوى المتغطرسة كي تتمكّن من مواصلة علاقاتها الاقتصادية مع الدولة الإسلامية". إنه يحلم. إيران هي الدولة المنبوذة التي تواجه عقوبات اقتصادية، وليس الإمارات العربية المتحدة، وهذا يعني أنهم "يحتاجون إلينا أكثر بكثير مما نحتاج إليهم". ولذلك لا نستغرب أن التصريحات التي صدرت لاحقاً عن طهران سعت إلى تلطيف الأجواء مع الإمارات.
ماذا ننتظر؟ لطالما ردّدت بأنه يتعيّن على الإمارات العربية المتحدة أن تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران وتحظر التجارة بمختلف أشكالها مع إيران. أجل، سوف يتكبّد قليل من التجار الإماراتيين والمقيمين جزء من الخسائر، لكن سيجري التعويض عنها في غضون فترة قصيرة جداً عبر بناء شراكات تجارية جديدة. لا يمكننا أن نستمرّ في المساومة على أرواحنا مقابل حفنة من الريالات #الإيرانية.
لقد تغيّرت قواعد اللعبة فيما كنّا غافلين عنها. تحتاج هذه القواعد الجديدة إلى جرأة في اتخاذ القرارات وتفكير مبتكر يتعامل مع المشكلة من زواياها المختلفة، وإلى التحلّي بالشجاعة للقيام بخطوات استباقية قبل أن يغدر بنا آيات الله.