لا تزال التحقيقات جارية لكشف ملابسات اختفاء الصحافي السعودي #جمال_خاشقجي، لكن وسائل الاعلام الدولية تتصرف وكأنها المدّعي العام والقاضي وهيئة المحلّفين منذ اليوم الأول، موجِّهةً أصابع الاتهام إلى المملكة العربية #السعودية. يُطلق أشخاصٌ يدّعون أنهم محللون وكتّاب آراء، افتراءات مستندين إلى ما يزعمون أنها حقائق "لا لبس فيها" تُروّجها صحف تركية موالية للنظام.
بعض الروايات التي ترد على ألسنتهم غريبة جداً وكأنها خارجة مباشرةً من فيلم تجسّس هوليوودي. عام 2016، اتهم رئيس تحرير الصحيفة التركية الكبرى "يني صفق" #الولايات_المتحدة بأنها تقف خلف المحاولة الانقلابية، وكتب أنها تخطط لقتل الرئيس رجب طيب #أردوغان. قلةٌ أخذت كلامه هذا على محمل الجد، لذلك إنه لأمرٌ غريب حقاً أنه يجري التعامل مع تقارير صحافية صادمة عن مصير خاشقجي وكأنها كلامٌ منزَل ومنزَّه.
ما زلنا ننتظر أن تنجلي الحقيقة، ولذلك أتساءل، لماذا تتهافت وكالات الأنباء والمشترعون الأمريكيون وكبريات الشركات الدولية على إصدار الأحكام؟ يصدمني أن #الكونغرس الأمريكي يمارس ضغوطاً على الرئيس دونالد #ترامب لفرض عقوبات على الحليفة الأقرب لأمريكا في #الشرق_الأوسط.
يتردد الرئيس في فرض هذه العقوبات لاعتبارات محض مالية خوفاً من أن تعمد المملكة إلى تحويل استثماراتها ومشترياتها من الأسلحة، وقيمتها مليارات الدولارات، إلى #روسيا أو #الصين. لكن هذا لم يمنعه من إطلاق تلميحات سلبية وتهديدات.
لماذا تُبدي #الولايات_المتحدة كل هذا الاهتمام باختفاء مواطن سعودي على أراضٍ غير أمريكية، في حين أنه جرى تطهير وسائل الإعلام التركية من الصحافيين ورؤساء التحرير المعارِضين، من دون أن يُثير الأمر كل هذه الضجة؟ لقد زُجَّ المئات في السجون، وفي أغسطس الماضي، فُقِد ما لا يقل عن عنصرَين سابقين في قوات الكوماندوس التركية بعد فرارهما إلى اليونان، وقد صنّفتهما الحكومة التركية في خانة أعداء الشعب، ويُعتقَد أن #تركيا أقدمت على خطفهما.
لم نسمع استنكاراً عالمياً قوياً عندما اغتيل #عبد_الغني_بدوي، السكرتير الثاني في السفارة #السعودية في أنقرة، عام 1988، أو عندما تعرّضت السفارة الأمريكية في العاصمة التركية لهجوم شنّه انتحاري تركي عام 2013. هل يتذكّر أحدٌ اغتيال السفير الروسي #اندريه_كارلوف في #تركيا على يد مسلّح تركي عام 2016؟ وللتذكير فقط، اعتُقِد أن رئيس #الإنتربول سابقاً #مينغ_هونغ_وي قد لقي حتفه، إلى أن أقرّت #الصين وأخيراً بأنه معتقل في تهمة فساد.
على مر العقود، تحدّثت روايات عدة عن أشخاص ادّعوا موتهم، أو ظهروا بعد سنوات من الإعلان عن اختفائهم وإبداء الخشية من أن يكونوا قد أصبحوا في عداد الأموات. في وقت سابق هذا العام، اعترفت السلطات الأوكرانية بأنها تدبّرت مقتل الصحافي #أركادي_بابشينكو الذي كان معروفاً بانتقاده للكرملين. لكنه ظهر من جديد، ما سبّب إحراجاً شديداً للمعلقين عبر وسائل الإعلام الذين جزموا بما لا يدع مجالاً للشك بأنه قُتِل بناءً على أوامر من #بوتين. وسومِحت #أوكرانيا على تلفيقها أخباراً كاذبة.
من المخزي أن يُلطَّخ اسم ولي العهد السعودي الأمير #محمد_بن_سلمان عن غير وجه حق، في حين أنه يقود تغييرات اقتصادية واجتماعية شجاعة لتحسين حياة الشباب والنساء في #السعودية. وهو يستحق بالفعل الإشادة والثناء لأجل ذلك. من المؤسف أن تتبدّد آماله بعقد قمة استثمارية ناجحة كانت مقررة في 23 أكتوبر الجاري. فقد أعلن رئيس #البنك_الدولي #جيم_يونغ_كيم عزوفه عن المشاركة في القمة، وسحبت كل من "#سي_إن_إن" و"#سي_إن_بي_سي" و"#فايننشال_تايمز" و"#بلومبرغ" رعايتها الإعلامية للقمة.
وتُقلقني أيضاً ردود الفعل التي صدرت عن رجال أعمال مرموقين، منهم #ريتشارد_برانسون، مالك شركة "#فرجين"، ودارا خوسروشاهي، الرئيس التنفيذي لشركة "#أوبر"، فقد أدار هؤلاء ظهرهم لبيئة حاضنة ومربحة للأعمال عبر إقدامهم على وقف العلاقات مع #الرياض مستندين إلى تسريبات ملفّقة الهدف منها تشويه سمعة الحكومة #السعودية.
ينبغي على حلفاء #السعودية في #مجلس_التعاون_الخليجي، وكذلك #مصر والأردن، أن يتكاتفوا مع #الرياض كي يُظهروا لتلك الشركات أنه ليس مرحَّباً بها للعمل داخل أراضيهم. يجب مقاطعتها. ويجب أن نثبت معاً أننا لا نقبل بأن يتم الاستقواء علينا، وإلا، سجِّلوا كلامي جيداً، عندما ينتهون من الهجوم على المملكة، سيأتي دورنا. إنه الوقت المناسب كي نُبرهن عن ولائنا وشفافيتنا تجاه بعضنا البعض.
أين هو #جمال_خاشقجي؟ هذا هو سؤال الساعة الذي تطرحه الآن جميع القنوات الإخبارية؟ آمل حقاً بأن يتم العثور عليه حياً يُرزَق وبحالة جيدة، إنما لا يجب التسرّع في إصدار الأحكام والاستنتاجات قبل أن يُقدّم التحقيق التركي-السعودي المشترك أجوبة دامغة ومقنعة.
أصبح وجه خاشقجي الأشهر على وجه الكرة الأرضية بين ليلة وضحاها. لقد صوّرته وسائل الإعلام بأنه ناشط عظيم من نشطاء حقوق الإنسان، وبطل من أبطال الديمقراطية، وباحثٌ عن الحقيقة؛ ويصفه زملاؤه في المهنة بأنه صاحب قلب طيّب.
ويتناسى هؤلاء، عن قصد، عضويته في جماعة #الإخوان_المسلمين التي انضم إليها في السبعينيات، فحتى صحيفة "#الواشنطن_بوست" أقرّت بأنه كان شغوفاً بالإخوان في ما مضى. ويتغاضون أيضاً عن مناصرته لجماعات إرهابية في #سوريا، ولتيارات تسعى إلى تثبيت دعائم الإسلام السياسي، وعن صداقته مع #أسامة_بن_لادن.
كشف الأردني سلامة نطار الذي كان زميلاً سابقاً لخاشقجي وصديقاً مقرّباً له، أن سلطات عدّة اشتبهت بامتلاكه صلات مع جماعات متطرفة منها القاعدة. ينقل لورنس رايت، في كتابه The Looming Tower، عن خاشقجي قوله عن الإخوان: "كنا نأمل بإقامة دولة إسلامية في مكان ما. كنّا نعتبر أن الأولى ستقود إلى الثانية وهكذا دواليك، وأنه سيكون للأمر مفعول الدومينو الذي يمكن أن يُغيّر تاريخ البشرية". وقد حملت إحدى مقالاته التي نشرتها صحيفة "#الواشنطن_بوست" مؤخراً العنوان الآتي: "#الولايات_المتحدة مخطئة بشأن الإخوان...".
علاوةً على ذلك، التركية #خديجة_جنكيز التي تقول عن نفسها إنها خطيبة خاشقجي، هي من أشد المنتقدين للسعودية، كما أن حساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر دعمها لقطر و"#الإخوان_المسلمين" وعرّاب الإخوان التركي، رجب طيب #أردوغان. وقد نشرت على صفحتها على موقع "تويتر" صورة لخاشقجي مبتسماً وهو يصافح الرئيس التركي. إشارة إلى أن أسرة خاشقجي أنكرت أي معرفة بها.
أناشد بقوة الرئيس #ترامب والآخرين في إدارته التروّي قبل استقبالها بحفاوة في البيت الأبيض. فمصداقيتها معدومة بانتظار التحقق من صدق مزاعمها. غير أن صحيفة "#الواشنطن_بوست" أفردت لها مساحات عبر صفحاتها لتناشد #ترامب، في مقالات بقلمها، كي "يسلّط الضوء" على اختفاء خاشقجي.
الحادثة الغريبة، وعلى وجه الخصوص ردود الفعل العنيفة التي شهدناها من #الولايات_المتحدة والعديد من حلفائها الغربيين، ضربٌ من ضروب المكائد السياسية. لقد شُرِّعت الأبواب أمام كارهي المملكة المعروفي الهوية كي ينشروا نصف الحقائق والأكاذيب المؤذية فيما يتزلّفون لواشنطن.
ماذا وراء الأكمّة في كل ما يجري؟ لست من أنصار نظريات المؤامرة، إنما من الواضح تماماً أننا أمام مؤامرة لإضعاف #السعودية وحلفائها الخليجيين في محاولة لإخضاعهم. أشتبه في أن هناك مخططاً وُضع منذ وقت بعيد ويجري العمل على تنفيذه الآن بهدف تدمير اقتصاداتنا أملاً في أن نرضخ ونتحوّل دولاً تابعة ومذعِنة. مَن هي الجهة التي تمارس تأثيراً على #قطر كي لا تستأنف دورها المُحق كدولة خليجية شقيقة مثلاً؟ ثمة من يلجأون إلى حيَل قذرة وشائنة لدفعنا نحو أسفل السلّم، وكلما أسرعنا في التنبّه للخطر المحدق بنا والدفاع عن أنفسنا، كلما كان هذا أفضل.
بالأمس كانت #السعودية تتنعّم بصداقة #الولايات_المتحدة. اختفى شخصٌ واحد، فباتت #الرياض هدفاً للتحذيرات والتهديدات من قطاعات السياسة والمال والأعمال في #أمريكا. أليس في الأمر قدرٌ كبير من الغلو والمبالغة!
ثمة حلٌّ واحد لا غير. لم يعد بإمكاننا التعويل على المصافحات الغربية التي سرعان ما تتحول إلى صفعات على الوجه. يجب أن ننهض بمسؤولية الدفاع عن أنفسنا، ما يستدعي إنشاء جبهة قوية وموحّدة. والخطوة الأولى هي أن تبادر #السعودية والإمارات العربية المتحدة وشقيقاتها في #مجلس_التعاون_الخليجي، من أجل إنشاء لجنة تنفيذية للشؤون السياسية والاقتصادية مهمتها أن تعمل على تعزيز مصالحنا في الخارج، وأن تراقب عن كثب ليس أعداءنا وحسب إنما أيضاً أصدقاءنا المنافقين.