تواجه اليابان خطر الخروج من أسواق #التصدير نتيجة ارتفاع تكلفة صادراتها. وبالفعل، فقد أدى تواصل ارتفاع الين الياباني واستمرار حالة التراجع الاقتصادي العالمي إلى ظهور آثار سلبية على صادرات وأرباح الشركات الصناعية اليابانية وأرباح موزعيها في العالم.
وإن لم تكن الحكومة اليابانية الجديدة مستعدة لسماع مطالب المصدرين لها بالتدخل، فسنجد أن الشركات اليابانية وحتى الكبرى منها قد بدأت بالتعرض للخسائر نتيجة خطأ ارتكبه اليابانيون أنفسهم.
وعلى الرغم من أن الين قد ارتفع أكثر من 30 في المئة مقابل الدولار الأمريكي منذ يونيو 2007 بل وأكثر من ذلك أيضاً مقابل الون الكوري الجنوبي، وجدنا أن وزير المالية الياباني وقد امتدح بداية الأمر قوة الين مما دفعه إلى مزيد من الارتفاع.
غير أنه سرعان ما غير نبرته بعد تصاعد شكاوى المصدرين الذين يجهدون للتعامل مع الوضع، لكن هذا لم يجعل الحكومة اليابانية تتراجع عن موقفها بأنها لن تتدخل إلا إذا رأت "تحركات غير طبيعية."
إن كان رفض الحكومة اليابانية للتدخل مدفوع بحماية اقتصادها القائم على حرية السوق فهي مخطئة. إذ عندما تتعرض السواق الحرة للمشكلات فإن من واجب الحكومات التدخل.
مع تآكل حصة اليابان من أسواق #التصدير نتيجة الارتفاع غير المبرر في أسعار المنتجات اليابانية، قد نجد أن العملاء المواظبين على المنتجات اليابانية يتحولون إلى علامات تجارية أخرى أقل جودة وأرخص سعراً من إنتاج منافسين آخرين غير يابانيين. وليس هناك من ضمانة أبداً بأنهم سيشترون دوماً ما "صنع في اليابان" حين يكون الين مبالغاً في سعره دون أي أسباب منطقية.
إن هجر المستهلكون المنتجات اليابانية نتيجة الأسعار المرتفعة بسبب أسعار الصرف واضطر الموزعون في الأجانب للبحث عن بدائل أكثر ربحاً وأسهل تسويقاً، حينها ستكون التوقعات بعيدة الأمد للاقتصاد الياباني كارثية.
هناك الكثير من التقارير التي تؤكد أن أشهر العلامات اليابانية قد بدأت فعلاً بالمعاناة من هذا الوضع. وعلى سبيل المثال، حذر ريوجي تشوباتشي نائب رئيس سوني مؤخراً من أن ارتفاع أسعار الين يجعل المنتجات الكورية الجنوبية أكثر جاذبية.
وفيما سجلت سوني أول خسارة سنوية لها منذ 14 عاماً، نجد أن سامسونغ للإلكترونيات الكورية الجنوبية قد حققت رقماً قياسياً للدخل. خسائر سوني ناجمة مباشرة عن ارتفاع الين. بل كلما انخفضت قيمة الدولار الأمريكي يناً واحداً فقط، تتراجع الأرباح التشغيلية السنوية لسوني قرابة 11.4 مليون دولار أمريكي.
وهذا هو أيضاً حال تويوتا التي تقول إنها "تلهث للخلاص" وتتوقع تحقيق خسائر تشغيلية سنوية مدمجة بواقع 750 مليار ين (8.4 مليار دولار أمريكي) في السنة المالية المنتهية في مارس 2010. وهذه ليست حال تويوتا وسوني فقط، إذ تقول دراسة حكومية حديثة إن 30 في المئة من الشركات اليابانية تعزو تراجع أرباحها إلى الارتفاع الكبير في سعر الين.
من نافلة القول أن اليابان تستفيد من قوة الين على جانب الواردات كما أن الين القوي يصب في صالح السياح اليابانيين في الخارج. غير أن بلاداً مثل اليابان التي صدرت العام الماضي وحده ما قيمته 749.5 مليار دولار- ما يشكل جانباً ضخماً من إجمالي ناتجها القومي- لا يمكنها القبول بتراجع حاد في صادراتها أو تركها للسوق دون أي طوق نجاة.
قد بدأت آثار ذلك تظهر جلية بالفعل حيث أعلنت وزارة المالية في أغسطس الماضي أن إجمالي الصادرات انخفض 36% منذ أغسطس في العام السابق. وكانت صناعات الفولاذ والسيارات والإلكترونيات هي الأكثر تضرراً نتيجة "ضعف الطلب."
نعم، صحيح أن الطلب العالمي الاستهلاكي قد تراجع، لكن من المهم في هذا المقام أن نجري مقارنة بين تراجع صادرات السيارات اليابانية مع نظيرتها اليابانية.
الأرقام المنشورة في أغسطس الماضي تقول إن صادرات السيارات اليابانية تراجعت 50 في المئة أما صناعة السيارات الكورية الجنوبية فتراجعت 15.2 في المئة فقط. وبالنظر إلى تفوق صناعة السيارات اليابانية إن كان في التصميم أو الجودة أو العمر، لا يمكن إلا أن نزعم أن هذا الفارق الكبير عائد بشكل كبير إلى ارتفاع صرف الين.
لكن السؤال المهم هو ما الذي يدفع الين إلى هذه المعدلات غير المسبوقة في الارتفاع على الرغم من أن الاقتصاد الياباني أصبح على شفير العودة إلى الركود مرة أخرى حيث الصادرات منخفضة والبطالة ما تزال مرتفعة والدين العام في اليابان أكبر من أي دولة أخرى في مجموعة العشرين.
السبب هو الحالة المزاجية. إذ في عالمنا اليوم الذي يعاني من اضطراب مالي يهرب المستثمرون من العملات عالية الريع ولكن غير المستقرة إلى الين الذي يرون فيه "ملاذاً آمناً" نتيجة المناعة النسبية التي تتمتع بها المصارف اليابانية من أزمة القروض العقارية دون الممتازة. وبالتوازي مع ذلك يخرج المستثمرون اليابانيون من الأسواق الأوروبية والأمريكية ويتوجهون باستثماراتهم إلى اليابان. ويسود إجماع اليوم بأن قوة الين هي حالة مصطنعة لا مبرر لها.
إذاً ما الذي يمكن لدولة يقوم اقتصادها على "حكمة" قوى السوق أن تفعله لإنقاذ صادراتها من مخاطر قوة العملة؟
هناك سابقة على هذه الحالة. في 2003 و2004 باعت وزارة المالية اليابانية الين لشراء 400 مليار دولار أمريكي وهو ما ساهم في تحقيق استقرار صرف الين مؤقتاً. صحيح أن الين سرعان ما عاد للارتفاع بعدها، لكن ربما يكون ذلك نتيجة أن التصرف الياباني كان عملاً منفرداً دون تعاون مع بقية دول مجموعة الثمانية. ومن شأن تدخل منسق دولياً أن يكون له آثار أطول أمداً.
من الغريب فعلاً أن نجد كل حكومات الدول المصدرة الكبرى وهي تقوم بكل ما تستطيع فعله من أجل مساعدة شركاتها الصناعية، فيما اليابان ملتزمة على نحو خطر بالإحجام عن العمل.
الحكومة اليابانية على سبيل المثال دعمت صناعة السيارات المتعبة فيها بخطة إنقاذ وضمانات مالية حكومية وحوافز بقيمة 2500 يورو للمشترين الراغبين في بيع سياراتهم القديمة وشراء سيارات جديدة. وهذا هو حال فرنسا والسويد التي سارعت لدعم صناعة السيارات عندهما.
يتوجب على الحكومة اليابانية اليوم، إن أرادت أن تحمي صناعة السيارات والإلكترونيات فيها من التردي والتأخر، أن تسرع في العمل. وإلا فإن النتيجة ستكون المهانة لعقود من التفوق والابتكار التقني والعمل الجاد والمضني الذي جعل من اليابان القوة الاقتصادية العظمى التي هي عليها اليوم.