كتب الرئيس #جيمي_كارتر مقالاً يحفّزنا على التفكير عميقاً، وقد تشاركه معي. ويسرّني أن أتشاركه بدوري مع قرّائي.
عام 2014، قبِل الرئيس كارتر الدعوة التي وجّهتها إليه لزيارة جامعة إلينوي والمشاركة في إطلاق مبادرة "سبل السلام" التي تهدف إلى البحث عن حلول محتملة للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
لا نعلم بعد ماذا ستكون سياسة الإدارة العتيدة تجاه إسرائيل وفلسطين، لكننا نعرف سياسة الإدارة الحالية. لقد دعمَ الرئيس أوباما إنهاء النزاع عن طريق التفاوض بالاستناد إلى الحل المتمثل بإقامة دولتَين تعيشان جنباً إلى جنب.
غير أن هذه الآفاق أصبحت الآن موضع شكوك كبيرة. أنا مقتنع بأنه ما زال بإمكان الولايات المتحدة أن تحدّد مستقبل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني قبل تسلّم الرئيس الجديد مهامه، لكن الوقت يداهم. الخطوة البسيطة إنما الحيوية التي ينبغي على هذه الإدارة القيام بها قبل انتهاء ولايتها في 20 يناير المقبل هي الاعتراف الديبلوماسي بدولة فلسطين، كما فعل 137 بلداً حتى الآن، ومساعدتها على تحقيق العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
عام 1978، خلال رئاستي للولايات المتحدة، وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، والرئيس المصري أنور السادات اتفاق كامب ديفيد الذي استند إلى قرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي أُقِرّ في أعقاب حرب 1967. كانت العبارات الأساسية في ذلك القرار: "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط بحيث تتمكن كل الدول في المنطقة من العيش بأمان"، و"انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي جرى احتلالها خلال النزاع الأخير".
وقد أُقِرّ الاتفاق بإجماع ساحق في مجلسَي النواب المصري والإسرائيلي. وشكّل هذان المفهومان التأسيسيان منذ ذلك الوقت الركيزة الأساسية لسياسة الحكومة الأمريكية والمجتمع الدولي.
لهذا جدّد أوباما، في مستهل ولايته الأولى عام 2009، التأكيد على العناصر الأساسية في اتفاق كامب ديفيد والقرار 242 عبر الدعوة إلى التجميد الكامل لبناء المستوطنات التي شُيِّدت بطريقة غير شرعية على الأراضي الفلسطينية. لاحقاً، عام 2011، أوضح الرئيس أن "حدود إسرائيل وفلسطين يجب أن تستند إلى خطوط 1967"، مضيفاً: "ينبغي أن تؤدّي المفاوضات إلى إقامة دولتَين، مع حدود فلسطينية دائمة مع إسرائيل والأردن ومصر، وحدود إسرائيلية دائمة مع فلسطين".
أما اليوم، بعد 38 عاماً على توقيع اتفاق كامب ديفيد، فالالتزام بالسلام مهدّد بالانهيار. تبني إسرائيل مزيداً من المستوطنات، وتهجّر الفلسطينيين، وتُمعن في احتلالها للأراضي الفلسطينية. يقيم أكثر من 4.5 مليون فلسطيني على هذه الأراضي المحتلة، لكنهم ليسوا مواطنين في إسرائيل. يعيش معظمهم في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي، ولا يقترعون في الانتخابات الوطنية الإسرائيلية.
في غضون ذلك، يتمتع نحو 600000 مستوطن إسرائيلي في فلسطين بالمنافع والامتيازات التي تؤمّنها الجنسية والقوانين الإسرائيلية. تتسبّب هذه العملية بالتعجيل في فرض الدولة الواحدة على الأرض، الأمر الذي من شأنه أن يقضي على الديمقراطية الإسرائيلية ويؤدّي إلى اشتداد الانتقادات الدولية لإسرائيل.
واظب مركز كارتر على دعم حل الدولتين عبر تنظيم نقاشات هذا الشهر مع مندوبين إسرائيليين وفلسطينيين، بحثاً عن مسار يقود إلى السلام. استناداً إلى ردود الفعل الإيجابية التي أثارتها تلك النقاشات، أنا على يقين من أنه إذا اعترفت الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية، سوف يصبح من الأسهل على البلدان الأخرى التي لم تعترف بها حتى الآن، أن تبادر إلى القيام بذلك، كما أنه من شأن هذه الخطوة أن تمهّد الطريق أمام صدور قرار عن مجلس الأمن حول مستقبل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ينبغي على مجلس الأمن اعتماد قرار يحدّد المعايير اللازمة لتسوية النزاع. وعليه أن يعيد التأكيد على عدم شرعية جميع المستوطنات الإسرائيلية الواقعة خارج حدود 1967، فيما يترك المجال مفتوحاً أمام الأفرقاء المعنيين للتفاوض حول إجراء تعديلات. من الضروري توافر ضمانات أمنية لإسرائيل وفلسطين على السواء، ويجب أن يعترف القرار بحق الدولتَين الإسرائيلية والفلسطينية في العيش بسلام وأمان. ومن الإجراءات الإضافية التي يجب اتخاذها تجريد الدولة الفلسطينية من الطابع العسكري، واحتمال نشر قوة لحفظ السلام برعاية الأمم المتحدة.
يجب أن يشدّد قرار قوي صادر عن مجلس الأمن على أن اتفاقات جنيف وسواها من التنظيمات الخاصة بحماية حقوق الإنسان تنطبق على جميع الأطراف في كل الأزمنة، وأن يدعم أي اتفاق يتوصّل إليه الأفرقاء في موضوع اللاجئين الفسطينيين.
من شأن الثقل الذي يمكن أن تمارسه مجتمعةً الخطوات الثلاث، أي اعتراف الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية، والعضوية في الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن المتجذّر في القانون الدولي، أن يُرسي الأسس السليمة لسلوك المسار الديبلوماسي في المستقبل. فهذه الخطوات تساهم في تعزيز الاعتدال لدى القيادة الفلسطينية، فيما توجّه رسالة واضحة إلى الرأي العام الإسرائيلي عن الاعتراف العالمي بإسرائيل وأمنها.
إنه السبيل الأفضل – ولعله الوحيد في الوقت الراهن – للتصدّي لواقع الدولة الواحدة الذي تفرضه إسرائيل على نفسها وعلى الشعب الفلسطيني. ليس الاعتراف بفلسطين وصدور قرار عن مجلس الأمن إجراءَين جديدين جذريين، بل يشكّلان امتداداً طبيعياً للدعم الأمريكي لحل الدولتَين.
لطالما كان هدفي الأساسي في السياسة الخارجية المساعدة على إحلال السلام في إسرائيل والدول المجاورة لها. في سبتمبر من العام 1978، راودني شعور بالفخر والاعتزاز عندما قلت أمام جلسة مشتركة للكونغرس: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدَعون". كان بغين والسادات يجلسان على الشرفة فوق القاعة العامة، وقد وقف أعضاء الكونغرس وصفّقوا لصانعَي السلام البطوليَّين.
أخشى على روح كامب ديفيد. لا يجدر بنا أن نهدر هذه الفرصة.