تُقسَم الجيوش إلى فئتين في الإجمال. هناك الجيوش التي تسعى في شكل أساسي إلى الزود عن أرضها وشعبها بوجه العدوان الخارجي، وهناك أيضاً الجيوش التي تعطي الأولوية للدفاع عن القيادة ومؤسسات الدولة ضد الانتفاضات الشعبية. يلجأ بعضها عن سابق تصور وتصميم إلى استخدام القوة الفتّاكة ضد المتظاهرين، في حين تقف الجيوش، في بعض الحالات، إلى جانب الشعب ضد الحكومة.
القادة العسكريون الذين يكرّسون أسلحتهم لحماية الطغاة الذين يتمسّكون بمقاعدهم إلى ما لا نهاية في العالم العربي، غالباً ما يخرجون من رحم الجيوش، ويحصل هؤلاء القادة والضباط على رواتب مضخّمة إلى حد كبير، ومساكن مدعومة من الحكومة، ويُفيدون من منشآت ترفيهية خاصة بهم، ويرتادون نوادي عائلية حصرية، ويحصلون على معاشات تقاعدية كبيرة تساوي أحياناً ثلثَي الراتب الأخير الذي يتقاضونه. بعبارة أخرى، يدرك كبار القادة في الجيش من أين تؤكَل الكتف؛ فولاءاتهم تُشترى بالمال.
إذاً المنظومة، وفضلاً عن كونها فاقدة تماماً للأخلاقيات، تُنتج هرراً مسمّنة، أي نخبٍ ينهش الجشع حبّها لأرضها، وترى في الجماهير أعداء محتملين لأنماط حياتها المتفوّقة. عند تعرُّض هذه النخب للتهديد، تستنفر لحماية مصدر رزقها مهما كان الثمن، حتى ولو اقتضى ذلك أن تشهر أسلحتها في وجه المتظاهرين السلميين.
أو عندما تتعرض بلادهم للاجتياح، وبدلاً من أن يضحّوا بدمائهم زوداً عنها، يقبلون جوائز الترضية التي يقدّمها إليهم الغزاة مقابل إلقاء أسلحتهم، وهذا ما فعله، للأسف، ضباط كبار في الحرس الجمهوري التابع لصدام حسين في #العراق عام 2003، بإغراء من النقود أو الحصول على الإقامة في الولايات المتحدة أو الوعود بتعيينهم في مناصب عليا في الحكومات العتيدة.
لقد تمكّن تنظيم "داعش" من السيطرة على الموصل بعدما أقدم الجيش العراقي الذي يتألف من أكثرية شيعية موالية لإيران، والذي اختير قادته انطلاقاً من ولاءاتهم المذهبية وليس خبراتهم، على الفرار بطريقة معيبة عند مواجهته بضعة آلاف الإرهابيين، وحتى في الوقت الحالي، يحتاج هذا الجيش إلى المساعدة من "المستشارين" الأمريكيين وسلاح الجو الأمريكي، ومن الميليشيات الشيعية والبشمركة الكردية لتحرير السكّان المروَّعين.
لإيران تاريخ طويل في استخدام جهاز الحرس الثوري والميليشيات المدعومة من الحكومة مثل الباسيج لقمع التظاهرات. عام 1963، انتشر جيش الشاه في الشوارع لقمع الاحتجاجات الحاشدة، وتكرّر الأمر أيضاً عام 1979. لقد لجأ الحرس الثوري إلى الممارسات العنيفة للقضاء على آمال الحركة الخضراء عام 2009 على الرغم من الاحتجاجات التي شارك فيها مئات الآلاف، ولم يتوانَ أيضاً عن سحق التظاهرات التي اندلعت على نطاق أصغر عام 2011.
القوات الإيرانية مهيّأة للتعامل مع الانتفاضات الاجتماعية والعدوان الخارجي على السواء، في حين يستخدم النظام الحرس الثوري أداةً للقمع منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
كتب سعيد غسمي نجاد في مجلة "بيزنس إنسايدر": "لقد تطوّر الحرس الثوري وبنى تكتّلاً عسكرياً وصناعياً ومالياً نافذاً. ولم يقتصر نشاطه على الاقتصاد العادي، بل عمد إلى توسيع الاقتصاد السرّي في #إيران وتعزيز سيطرته عليه، وأنشأ في هذا الإطار كارتلاً مافيوياً".
تجدر الإشارة إلى أن القوات الإيرانية ليست الوحيدة في المنطقة التي تتمتّع بالسيطرة على نسبة مئوية كبيرة من الاقتصاد الوطني.
ففي مرحلة الاضطرابات الشديدة المسمّاة "الربيع العربي"، اتخذ الجيش السوري موقفاً ثابتاً إلى جانب نظامٍ يمكن القول بأنه أشدّ همجية من نظام #صدام حسين، ويبقى هذا الجيش على موقفه من دون أن يتزحزح قيد أنملة، ما خلا استثناءات قليلة تتمثّل في المنشقّين الذين أنشأوا "الجيش السوري الحر".
يؤكّد خضر خضور في مقال تحت عنوان: "غيتو ضباط #الأسد: لماذا يحافظ الجيش السوري على ولائه للنظام"، أن الانتماء المذهبي للضباط (من الطائفة العلوية) ليس العامل الأساسي، بل يعتبر أن السبب الفعلي هو منظومة الدعم للسكن والمنافع التي يُفيد منها هؤلاء الضباط مقابل "ثمن باهظ". يضيف: "حماية منظومة المنافع، وليس الولاء العقائدي الشديد، هي التي جعلت الضباط السوريين يلتزمون إلى حد كبير بموقفهم الداعم للنظام". القصّة عينها تتكرر في لبنان حيث تسلّل "حزب الله"، عميل #إيران، إلى الجيش.
وقد لجأ الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي ارتقى عبر صفوف الجيش، إلى التكتيك نفسه ظناً منه أن المؤسسة العسكرية ستُبقيه في السلطة، فيما جمع في الوقت عينه ثروة تصل إلى 62 مليار دولار أمريكي موزّعة في عشرين بلداً، بحسب لجنة خبراء من الأمم المتحدة. لقد وافق على التنحّي تحت تأثير الضغوط، لكنه لم يتخلَّ قط عن أطماعه التي حصلت على جرعة زخم من خلال الدعم من وحدات الجيش الموالية له، وزعماء القبائل، والميليشيات الحوثية، من دون أن يردعها الدمار الذي حلّ بالبلاد الأكثر فقراً في العالم العربي.
لطالما ناشدتُ رؤساء دول #مجلس_التعاون_الخليجي تعزيز قواتهم العسكرية وتوحيدها، فقط لأغراض الدفاع عن النفس، لا سيما بعدما سقط القناع عن وجه #إيران وانكشفت نواياها العدوانية، كما أن الحاجة إلى حماية المنطقة من تنظيم "داعش" وسواه من المجموعات الإرهابية هي الآن أقوى من أي وقت مضى.
يتميّز العسكريون في بلادنا بحبّهم الصادق لوطنهم، ورغبتهم الشديدة في حماية عائلاتهم وإخوتهم المواطنين. لطالما كنت معجباً ومنبهراً أمام شجاعتهم وتفانيهم، وقد تملَّكني حزن شديد لدى استشهاد كوكبة من جنودنا دفاعاً عن إخوتنا وأخواتنا في #اليمن.
تحتل جيوش الخليج مرتبة متقدّمة بين أشرف الجيوش في العالم، والتي لا يمكن أن تنجرف وراء أي إغراء للتخلي عن واجباتها أو القتال إلى جانب جيش مثل الجيش السوري المسؤول عن مقتل مئات الآلاف من النساء والأطفال، والذي تسبّب باختناق المدنيين باستخدامه الأسلحة الكيميائية.
إن أي دولة عربية تدعم نظام #الأسد أو أي نظام آخر يلجأ إلى القوة الفتّاكة لإخضاع شعبه يجب أن يتم تهميشها ديبلوماسياً من قبل #مجلس_التعاون_الخليجي، وأن تُحرَم من المساعدات المالية، وإلا نصبح متواطئين بطريقة غير مباشرة في جرائم #الأسد، وهذا سلوك مشين لا يمكن تبريره. يجب التعبير بوضوح عن هذا الموقف كي تفكّر أي دولة عربية ملياً قبل أن تقدم على دعم مثل هذه الأنظمة.
"اختر أعداءك بحكمة؛ فهم إما يصنعونك وإما يقضون عليك"، هذه هي النصيحة التي أسداها رائد الأعمال الأمريكي جيه ويلارد ماريوت الذي يملك سلسلة من الفنادق. يا له من كلام حكيم! لقد ردّدت مراراً وتكراراً أننا نطلب الشفافية من "حلفائنا". هل هم على الموجة نفسها؟ هل هم معنا أم ضدنا؟ تتطلب هذه الأسئلة أجوبة فورية في هذه الأزمنة التي يسودها الالتباس والضبابية.