دأبت منذ أكثر من عقد على مناشدة رؤساء الدول في #مجلس_التعاون_الخليجي العمل على تشكيل تكتل اقتصادي. وعلى ضوء تفاقم اللاستقرار، ليست هذه الخطوة ضرورية وحسب، بل أصبحت ضرورة ملحّة. والآن، بفضل القيادة الشجاعة لخادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي #الملك_سلمان بن عبد العزيز، بات "اتحاد دول الخليج" – الذي يشمل وحدة جمركية وسوقاً مشتركة وعملة موحّدة – على قاب قوسَين من التحقق في هذه المرحلة التي يقف فيها عالمنا على مشارف حقبة جديدة يسودها الالتباس والتقلبات.
لا يمكن التعويل على ما يُسمّى توقعات الخبراء، لأن الأمور تبدّلت ولم يعد الماضي مؤشراً عن المستقبل كما في السابق. كتب المفكر #إيتش_جي_ويلز: "إما التكيّف وإما الزوال، هذه المقولة أصبحت الآن أكثر من أي وقت مضى ضرورة محتومة تفرضها الطبيعة"، ولزامٌ علينا أن نتكيّف قبل أن نُضطر إلى القيام بذلك مرغَمين ومن دون أن نكون مستعدين للأمر، رداً على تأثيرات خارجية سلبية.
لم يعد جائزاً أن نبقى مثل عيدان القش التي تتقاذفها رياح القرارات التي تُتَّخذ في #واشنطن أو #لندن. لقد أصاب ولي ولي العهد الأمير #محمد_بن_سلمان في تأكيده بأننا في حقبة "يسودها اللااستقرار الاقتصادي"، ما يقتضي منا "العمل معاً لتحقيق التنمية والازدهار".
لقد أصيبت #الولايات_المتحدة بصدمة شديدة بسبب النتيجة غير المتوقّعة لانتخاباتها الرئاسية، وما ينتظرها من مستقبل مجهول حيث لا يمكن اعتبار شيء من المسلّمات، لا سيما وأن سياسات الرئيس المنتخب دونالد #ترامب تبقى في دائرة التخمينات الإعلامية. الدور القيادي الذي تمتعت به #أمريكا تقليدياً هو الآن على المحك.
نأمل بأن يتخطّى #البيت_الأبيض في عهد #ترامب كل التوقعات. لقد أثبت #ترامب نجاحه في الأعمال، وانتصر في المعركة التي خاضها للفوز بالمنصب الأعلى في البلاد. لكن يجب اتخاذ جانب الحيطة والحذر عبر اعتماد عملة موحّدة لدول #مجلس_التعاون_الخليجي غير مرتبطة بالدولار، واللجوء إلى التنويع بعيداً من العائدات النفطية.
يستعدّ القادة في الاتحاد الأوروبي لاحتمال انتقال عدوى "بريكسيت" إلى بلدانهم في مواجهة تنامي المشاعر القومية التي تغذّي صعود المرشحين الشعبويين المنتمين إلى أقصى اليمين. إذا انهارت التجربة الأوروبية، فسوف نكون أمام تسونامي اقتصادي يجتاح العالم بأسره، ولن تخرج منه سالمةً سوى الدول القوية والمستقلة اقتصادياً.
لسوء الحظ، ترزح مناطق واسعة في العالم العربي تحت وطأة الصراعات الداخلية والإرهاب والفقر المستشري، أو كما في حالة #لبنان والعراق فيُسحقان تحت السيطرة الإيرانية. لقد تحوّلت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج إلى الركيزة الوحيدة التي تنعم بالاستقرار والأمان والازدهار في المنطقة، والتي يجب تعزيزها والدفاع عنها مهما كان الثمن، وإلا لن يكون "العالم العربي" سوى مجرد هامش في التاريخ.
لهذا سُررت كثيراً بالاقتراح السعودي الذي كشف عنه الأمير #محمد_بن_سلمان ويقضي بإنشاء وحدة اقتصادية خليجية لحماية الدول الأعضاء من صدمات كتلك التي هزّت منطقتنا في السابق – الركود العالمي في 2007-2008، والهبوط السريع في أسعار النفط – وكذلك لتعزيز تنافسيتنا على الساحة العالمية.
علاوةً على ذلك، من شأن #مجلس_التعاون_الخليجي الذي يُعتبَر سادس أكبر اقتصاد في العالم، أن يُفيد إلى حد كبير من زيادة النفوذ الديبلوماسي لدول الخليج وتأثيرها المتنامي خلال المفاوضات مع بلدان أخرى حول مسائل مثل تسوية النزاعات التي تشكّل حاجة ماسة لإرساء السلام من جديد في #سوريا واليمن، وكذلك من أجل منع الدول الغربية من الانبطاح أمام #طهران للفوز بصفقات للتسليح والتبادل التجاري.
بصراحة مطلقة، ماذا ننتظر؟ يجب أن تكون الوحدة الاقتصادية أمراً بديهياً تماماً مثل تدريبات "أمن الخليج العربي 1" التي جاءت في أعقاب مناورات "#درع_الخليج 1" و"جسر الخليج 17"، والتي تهدف إلى تعزيز قدرات #مجلس_التعاون_الخليجي في الدفاع ومكافحة الإرهاب. الأمن القومي هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد السليم والمعافى، ما يساهم في تشجيع الاستثمارات المحلية والخارجية على السواء.
ليس هناك من سبب وجيه يحول دون تطبيق المبادرات المذكورة آنفاً. تواجه دول #مجلس_التعاون_الخليجي تحديات اقتصادية تتشابه بين بلد وآخر؛ وتتشارك الأعداء أنفسهم كما أنها مستهدَفة من التهديدات عينها. تجمعنا روابط الدم والدين والتقاليد والثقافة. غير أنه للحكومات المختلفة وجهات نظر متباينة، وتميل كل واحدة منها إلى التصرف بمعزل عن الآخرين.
تتردّد بعض الدول الأعضاء أكثر من سواها في إجراء تغييرات جذرية. للمسؤولين عن تلك الدول أقول، أقدِموا على التغيير بكل ثقة. تحلّوا بالشفافية. لا تسمحوا للخلافات حول المسائل الصغيرة بأن تحجب المشهد الأكبر. محْضُ الثقة لإخوانكم لا يتطلب قفزة إيمانية كبيرة. فجميعنا في المركب نفسه.
رجاءً، لا تسمحوا بأن تتبخّر فكرة إنشاء تكتّل اقتصادي وتذهب أدراج الريح، شأنها في ذلك شأن الكثير من الأفكار في الماضي. يجب أن نضع في رأس أولوياتنا العمل من أجل مستقبل آمن ومضمون للأجيال المقبلة، وعندما نقرّر السير معاً بالمركب في الاتجاه نفسه، نصبح قوة لا يستهان بها. الفرصة سانحة أمامنا الآن. فلينعم علينا الله سبحانه وتعالى بالحكمة والشجاعة كي يكون النصر والنجاح حليفنا!