يوم الثاني من ديسمبر 1971 هو أكثر من مجرد تاريخ عادي شهد توقيع معاهدة، فقد غيّر حياتنا إلى الأبد. لم يحطّم الحدود والحواجز الجغرافية وحسب، بل ساهم أيضاً، مع مرور الوقت، في جمع قادة سبع إمارات متجاورة معاً في كيان واحد يسير في الاتجاه نفسه نحو السلام والازدهار. وقد كانت مسيرة رائعة! حتى إن البعض يصفها بالمعجزة.
لقد عملنا يداً بيد وحوّلنا الأراضي القاحلة الصحراوية والقرى الصغيرة التي تعتاش من صيد الأسماك إلى مدن عصرية مذهلة. وفي حين كنّا نحفر في السابق آباراً للحصول على المياه، بتنا نملك نوافير خلاّبة وقنوات مائية ومساحات خضراء شاسعة وشوارع تصطف على جانبَيها الأزهار. كل الابتكارات الحديثة متوافرة في #الإمارات، أرض الفرص التي تسعى دول المنطقة والعالم إلى التشبّه بها وأن تحذو حذوها .
الأهم من ذلك، يتمتّع مواطني دولة #الإمارات والمقيمين على السواء بامتياز العيش بأمان في بلدٍ يرسي توازناً مثالياً بين الحرية والأمن، بلد خالٍ من الفساد وهو موضع إعجاب وتقدير لنزاهته وشفافيته.
أشعر دائماً بالحزن والأسى كلما وجّهت منظمات أجنبية لحقوق الإنسان انتقادات للإمارات لأنها تتشدّد في إجراءاتها في وجه الخطر الذي يتربّص بنا ويتحيّن الفرصة لتسديد ضربته. #الإمارات دولة قانون. لدينا قواعد وتنظيمات الهدف منها الحفاظ على امن وسلامة الأشخاص كي يتمكّنوا من الاستمتاع بالحياة إلى أقصى حد من دون خوف. ومثل هذه القوانين والقواعد معلَن عنها وليست خفيّة على أحد، ومن ينتهكونها عن سابق تصوّر وتصميم يدركون أنهم سيمثلون لا محالة أمام العدالة.
ليست بلادنا مكاناً سائباً للمجرمين أو الجواسيس. لا نقبل بأن يتعرّض أولادنا للملاحقة والمضايقات من قبل تجار المخدّرات. نرحّب بجميع الزوّار بذراعَين مفتوحتين طالما أنهم يحترموا أعرافنا الثقافية. وفي هذه اللحظة التاريخية الحرجة، حيث تواجه أوروبا خطر الهجمات الإرهابية في عقر دارها، وتعمد عن حق إلى التشدّد في إجراءاتها، نظراً إلى قربها الجغرافي من المناطق التي تشكّل أراضي خصبة للإرهابيين، تفعل حكومتنا عين الصواب باتخاذها تدابير صارمة للتعامل مع من يسعون إلى إلحاق الأذى بنا قبل أن يحظوا بفرصة تنفيذ مخططاتهم.
في الحقيقة، لو أن البلدان العربية التي يُعيث فيها الإرهاب والمذهبية والانفصالية خراباً، تقتدي بالروح الجامعة التي تتميّز بها #الإمارات العربية المتحدة حيث يتآلف أشخاص من مختلف الجنسيات والأديان بانسجام معاً، لكانت المنطقة خالية من النزاعات.
لا تدمّر الحروب النمو الاقتصادي والبنى التحتية وحسب، بل تلقي أيضاً بغمامة ثقيلة من اليأس والتشاؤم تُخيِّم على أرواح المواطنين، وتقضي على حبهم المتأصل لبلادهم. تبدي #الإمارات على الدوام استعداداً لمساعدة الدول العربية الأخرى من أجل الخروج من النفق المظلم، مثلما تقدّم حالياً الدعم الاقتصادي لمصر التي تسعى للخروج من الاضطرابات التي تخبّطت فيها على امتداد أربعة أعوام.
وعندما يتوقّف دوي القذائف وتُستأصَل أوكار الإرهابيين، آمل بأن يتطلعوا إلى بلادنا كنموذج مشرق يحتذى به، ويسعوا للإفادة من خبرتنا في لمّ شمل الأشخاص وحملهم على الدفع في الاتجاه نفسه بدلاً من الدفع في اتجاهَين معاكسَين.
يحتاج ذلك إلى قيادةٍ متميّزة تولي أهمية قصوى لاحتياجات مواطنيها. يجب أن يكون الناس مثقّفين، وأن يدركوا أنه لا يمكن استنساخ الديمقراطية على الطريقة الغربية؛ فقد رأينا المفاعيل التي ترتّبت عن محاولات استنساخ هذه الديمقراطية منذ انطلاقة ما يُسمّى "الربيع العربي" الذي حوّل دولاً عربية غنيّة بمواردها الطبيعية وكانت تتمتع بدرجة مقبولة من الاستقرار، إلى موائل للعنف والإرهاب ترزح تحت وطأة الفقر. عندما ننظر حولنا، نتعاطف مع المعاناة التي يتكبّدها عدد كبير جداً من إخوتنا وأخواتنا العرب، لكن علينا في الوقت نفسه أن نبتهج لأننا لسنا، والحمد لله، في القارب نفسه.
في الواقع، لا دور للحظ في الاستقرار الذي نتمتّع به، بل يعود الفضل من بعد الله سبحانه وتعالى إلى منظومة الحكم المتكاملة التي تتيح لقادتنا اتخاذ قرارات على وجه السرعة في الحالات الطارئة من دون أن يُضطروا إلى الإلحاح على المشترعين كما يفعل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الآن للحصول على الإذن لقصف تنظيم "داعش" الذي يهدّد بلاده، والذي شنّ هجمات في فرنسا التي تُعتبَر من الحلفاء الأساسيين لبريطانيا. هل سيستمر البرلمان البريطاني في التناقش حول المسألة أم أنه سيحسم أمره في حال تعرّضت لندن، لا سمح الله، للهجوم؟
ينبغي على القادة العرب أن يتحلّوا بقدر كافٍ من الثقة بالنفس من أجل وضع صيغة للحكم تتناسب مع مقتضيات بلدانهم، بدلاً من الإذعان لمطالب القوى الغربية التي تفرض عليهم أن يتحوّلوا نسخةً عنها. يجب ألا يفضّلوا مجموعة أو مذهباً على آخر، بل عليهم أن يسعوا جاهدين من أجل لمّ شمل الجميع تحت راية واحدة، تماماً كما فعل مواطنو دولة #الإمارات ويفعلون على الدوام.
وهنا لا بد لنا من أن نعرب في هذه المناسبة العزيزة عن امتناننا العميق للأبوَين المؤسّسَين المغفور لهما، حاكم أبوظبي #الشيخ_زايد بن سلطان آل نهيان وحاكم #دبي #الشيخ_راشد بن سعيد آل مكتوم. فقد أدرك هذان الرجلان العظيمان أهمية الوحدة، وبذلا معاً جهوداً دؤوبة لتحقيق ما بدا بالنسبة إلى الآخرين حلماً مستحيلاً. لقد عاملا جميع المواطنين كأبناء لهما. واعتنيا بأرضنا وكأنها أرضهم الخاصة. وقد ورث أبناؤهما هذه الخصال، وهم يقودوننا الآن نحو الأمام وصوب العلى.
لقد علّمانا أنه عند التحلّي بقوة الإرادة وسعة الخيال، نستطيع تسلّق كل الجبال مهما بلغ ارتفاعها. لقد كنت محظوظاً بالتعرف إليهما عن قرب. وسوف تبقى نصائحهما الحكيمة محفورة في عقلي ما حييت. لقد استبدلا الانفصال بالوحدة، وهذا الشعور بأن الواحد للكل والكل للواحد هو الذي يعزّز أواصر اللحمة بيننا بحيث يستحيل قهرنا. التعاون الوثيق بين الإماراتيين، شعباً وقيادة، لا يُضرَب به المثل وحسب، بل هو أيضاً عملة نادرة لا سيما في ظل الاضطرابات التي تشهدها منطقتنا في الوقت الراهن.
وأنتهز هذه الفرصة لنحيي شهداءنا في يوم الشهيد الذي يوافق 30 نوفمبر تخليداً ووفاء وعرفانا بتضحيات أبطالنا شهداء الوطن وتفانيهم في أدائهم لواجبهم، ونتذكّر أن بعضاً من خيرة أبنائنا وأكثرهم شجاعة قد قضوا نحبهم فداء للوطن ولم يعودوا بيننا. أدرك تماماً أهمية خدمة الوطن. كنت مستعداً لحمل السلاح عام 1990 عندما اجتاح صدام حسين الكويت، لو أنني استُدعيتُ للدفاع عن بلادي. أفتخر كثيراً بأن بعضاً من أحفادي التحقوا مؤخراً بالخدمة في الجيش الإماراتي حيث يتعلّمون الانضباط والأخوّة ويترسّخ أكثر فأكثر حبّهم لوطنهم الغالي.
أخيراً، أحيّي قادتنا وجنودنا البواسل المستعدّين للتضحية بأرواحهم، وأحيّي شعبنا الذي كرّس مواهبه، على امتداد الأعوام الاربعة والأربعين الماضية، ليصنع من #الإمارات العربية المتحدة قصة نجاحٍ لا مثيل لها. كما أدعو الله سبحانه وتعالى أن تنعم دولتنا الحبيبة على الدوام بالامن والأمان والسلامة واستدامة النمو، وكي نكرس أكثر فأكثر مكانتنا الريادية في العالم. وأنا على يقين من أنه مهما كان ما يخبّئه لنا القدر، سوف نخرج دائماً باذن الله منتصرين لأننا نلتقي حول هدف واحد.