أجد نفسي هذه الأيام في حالة مستمرة من الصدمة والاشمئزاز والارتباك. نعيش في عالم حيث فقدت الحياة البشرية قيمتها، وأصبحت الهمجية والعنصرية والتعصب هي المعيار السائد. نشعر بالإحباط لدى مشاهدة نشرات الأخبار. نرى أشخاصاً يائسين يهربون من النزاعات فيجدون كل الأبواب موصدة أمامهم. تتعرّض النساء للسبي والاستغلال، وتُمزّق شظايا القذائف أجساد الأطفال.
من كان يخطر في باله أن #باريس، مدينة الأنوار، سوف يُخيّم عليها الظلام، وينتشر الجيش في شوارعها، أو أن حكومتها ستصدر مرسوماً لإسكات كل من ينشر نظريات تتعارض مع خطّها وتصنيفه في خانة المتآمر. لن أفاجأ في حال أنشئت قوة تُسمّى "شرطة الفكر" على الطريقة الأورويلية. الناس لديهم أسئلة، لكنهم لا يحصلون على أجوبة، وهذه هي المشكلة.
ويغضبني أيضاً أن كثراً في العواصم الغربية يوجّهون أصابع الاتهام إلى الإسلام معتبرين أنه السبب في كل الشرور، في حين أن هذه الديانة التي أعتنق، ديانة السلام والتسامح، اختُطِفت على أيدي مخلوقات لا روح لها. عندما أستمع إلى التصريحات الصادرة عن سياسيين أمريكيين، أكاد أعجز عن تصديق ما أسمع.
لقد تعهّد #دونالد_ترامب بإغلاق كل المساجد وإرغام الأمريكيين المسلمين على حمل بطاقات هوية خاصة. ما التالي؟ هل سيُطلَب منهم تعليق دبوس بشكل هلال أخضر على سترتهم كما طُلِب من اليهود في ألمانيا وضع نجمة صفراء؟ يستخدم عدد كبير من خصومه الجمهوريين الخطاب الذي يشوّه سمعة المسلمين بهدف استقطاب الأصوات.
وبالمثل تخطط بريطانيا وفرنسا وبلجيكا لإغلاق المساجد والمراكز المجتمعية. يُطلَب من المسلمين النأي بأنفسهم عن الإرهاب، مع العلم بأنهم هم أكثر من عانوا من الإرهاب على مر السنين. وكذلك تحوّل اللاجئون السوريون الذين يجازفون بحياتهم للوصول إلى أوروبا، إلى منبوذين بين ليلة وضحاها.
تطالب إلين مورغان، عضو مجلس الشيوخ الأميريكي عن ولاية رود آيلاند، بوضع اللاجئين السوريين في معسكرات "مفصولة عن السكان". وتقول إن "الديانة والفلسفة الإسلامية قائمتان على قتل واغتصاب وقطع رؤوس غير المسلمين". أما بن كارسون الطامح للرئاسة، فيشبّه اللاجئين بـ"كلاب مسعورة". وكل هذا الكره الذي يُظهره السياسيون هو فقط لمجرد أن أحدهم تعمّد وضع جواز سفر سوري مزوّر على مقربة من جثث الانتحاريين في #باريس.
بصراحة شديدة، لم أعد أعرف ماذا نصدّق أو لا نصدّق بعد الآن. فعلى غرار كثر سواي، أريد أجوبة عن هذه الأسئلة المحيّرة والمقلقة جداً:
-
لماذا سُمِح لتنظيم "الدولة الإسلامية" بالانتشار في مساحات شاسعة من سوريا والعراق؟ بحسب قناة "فوكس نيوز"، تتوقّع وثائق خاصة بالبنتاغون تعود إلى عام 2012، وقد حصلت عليها مؤسسة "جوديشال ووتش" بموجب قانون حرية المعلومات بعد نزع السرّية عنها، "صعود داعش وإنشاء خلافة". في هذه الحالة، لماذا قال أوباما في سبتمبر 2014 أن صعود التنظيم فاجأ الولايات المتحدة؟
-
هل من صحة لتصريحات الرئيس الشيشاني رمضان قديروف والمخبر الذي كان يعمل في وكالة الأمن القومي الأمريكية، إدوارد سنودن، بأن البغدادي الذي نصّب نفسه خليفة على "الدولة الإسلامية"، والذي يُزعَم أنه كان يُعرَف سابقاً بسايمون إليوت، تدرّب على أيدي الموساد؟ لن تكون هذه المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الأمر. يكشف مورتن ستورم الذي تحوّل نحو الإسلام، في كتابه أنه كان سابقاً عميلاً سرياً لأجهزة استخبارات غربية مهمّتها التسلّل إلى داخل التنظيمات الإسلامية.
-
لماذا سُمِح لمدينة الرقة، عاصمة "الدولة الإسلامية"، بمواصلة تسيير أمور الحياة كالمعتاد، في ظل الضربات الجوية التي يشنّها التحالف بقيادة الولايات المتحدة؟ نقل موقع "واشنطن فري بيكون" وسواه عن النائب إد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، قوله شاكياً: "يروي لنا الطيّارون العائدون: ‘ثلاثة أرباع المعدات الحربية لا يمكننا استخدامها في القصف، لا نستطيع الحصول على إذن بالقصف حتى عندما يكون هناك هدف واضح أمامنا’؟ هل ما يقوله صحيح؟
-
لماذا استغرقت الولايات المتحدة كل هذا الوقت لقصف القوافل التي تنقل النفط الذي تسرقه "الدولة الإسلامية"؟ وعندما بدأت بقصفها إبان التدخل الروسي، لماذا ألقيت مناشير، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، للطلب من السائقين مغادرة شاحناتهم قبل قصفها؟ ما هي الدول التي تشتري ذلك النفط عن طريق أطراف ثالثة؟ هل هناك مصارف تقوم بتبييض الأموال التي يجنيها التنظيم من النفط والذهب والتحف المسروقة؟
-
لقد تمكّنت الأقمار الصناعية من تحديد مكان الإرهابي البريطاني المعروف بـ"الجهادي جون" وزعيم تنظيم "داعش" في ليبيا، وسام نجم عبد زيد الزبيدي، بسهولة وقتلهما، فلماذا يصعب تحديد مكان البغدادي، ولماذا لم تُقصَف قوافل سيارات الدفع الرباعي التابعة للإرهابيين والتي يمكن رؤيتها بوضوح شديد؟
-
ما هي الدولة أو الدول التي تزوّد تنظيم "الدولة الإسلامية" بالأسلحة الثقيلة؟ ولماذا يُحرَم الأكراد والحكومة الليبية المعترف بها الذين يحاربون "داعش"، من هذه الأسلحة؟
-
هناك شريط فيديو على موقع شبكة RT التلفزيونية الروسية يظهر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يصرّح للصحافيين في قمة مجموعة العشرين الأخيرة، أن "الدولة الإسلامية" تحصل على التمويل من رجال أعمال من 40 بلداً، منها بلدان تنتمي إلى مجموعة العشرين، مضيفاً أنه قدّم أمثلة "بالاستناد إلى البيانات المتوافرة لنا". إذا كان على حق، لماذا لا تتم ملاحقة هؤلاء الأشخاص واعتقالهم؟
-
لماذا فتحت إسرائيل مستشفياتهما لمعالجة المصابين من مقاتلي "القاعدة" و"جبهة النصرة"، كما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"؟ كذلك، نقلت صحيفة "تودايز زمان" التركية عن ممرضة تعمل في أحد المستشفيات في مرسين، قولها بأنها سئمت من معالجة مقاتلي "الدولة الإسلامية". ونقلت صحيفة "الواشنطن بوست" عن أحد قواد "الدولة الإسلامية" قوله: "كان بعض مقاتلينا - ومنهم قياديون كبار في التنظيم - يُعالَجون في المستشفيات التركية". إن كان ذلك صحيحاً، ما هو المبرّر وراء هذه المعاملة الشديدة اللطف لمسوخ يُعدمون الأطفال، ويدفنون النساء أحياء، ويضعون الرجال في قفص حديدي بهدف إغراقهم في المياه؟
-
من هم "الثوار المعتدلون"، كما يُسمّون، الذين تدعمهم إدارة أوباما بعدما صُنِّفوا تحت راية "جيش النصر"، وهل التقارير التي تتحدث عن أنهم يقاتلون إلى جانب "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة"، دقيقة؟
لماذا يمتنع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن تصنيف "الإخوان المسلمين" - المنظمة العقائدية التي هي في أساس جميع المجموعات التكفيرية - في خانة الإرهابيين؟
تلقّى أنس التكريتي، وهو بريطاني داعم للإخوان، ويتولى والده رئاسة جماعة "الإخوان المسلمين" في العراق، دعوة في مطلع العام الفائت، للقاء الرئيس أوباما في البيت الأبيض. وفي فبراير الماضي، ظهر قاضٍ من "الإخوان المسلمين" في صورة وهو يرفع إشارة رابعة في وزارة الخارجية الأمريكية بعد لقائه مسؤولين أمريكيين. وعندما سأل المراسلون المتحدثة باسم البيت الأبيض، جان بساكي، عن الأمر، أكّدت أنه ليست لدى الولايات المتحدة أية مشكلة في الصورة - في خطوةٍ تنمً عن تحدٍّ واضح للحكومة المصرية.
لكن المشترعين في مجلسَي النواب والشيوخ يضغطون هذا الشهر من أجل إقرار مشروع قانون لتصنيف الإخوان في خانة التنظيمات الإرهابية.
لست مطلعاً على الاستخبارات الداخلية، لكن دعوني أقولها بهذه الطريقة. عندما نجمع قطع الأحجية معاً، من الواضح أن هناك خطباً ما.
بعد اعتداءات #باريس، يتهافت العالم للقضاء على "الدولة الإسلامية". تتعاون فرنسا مع روسيا لقصف التنظيم بلا هوادة. بيد أن أوباما يقول إنه تم احتواء التنظيم وإن استراتيجية إدارته ناجحة، حتى فيما يهددون بتحويل البيت الأبيض إلى ركام أسود، ويعلنون أن هدفهما التالي هو نيويورك وواشنطن، ويُعتقَد أنهم يعملون على تطوير أسلحة كيميائية. هذا ليس منطقياً!
كتب تشارلز كروثامر في صحيفة "التلغراف" أنه في حين تعمل فرنسا على تشكيل تحالف لتدمير "الدولة الإسلامية"، "واجه أوباما اعتداءات #باريس بسأم وتكدّر. لقد انطبع مؤتمره الصحافي في تركيا باللامبالاة والتراخي والانفصال عن الواقع، في لهجة مثيرة للذهول، يضاف إليها نفاد صبره وشعوره بالغضب لمجرد التلميح بأن استراتيجيته في سوريا ربما تجنح نحو الفشل".
بدلاً من تحميل المسلمين زوراً وبهتاناً مسؤولية صعود "الدولة الإسلامية"، ربما يجب أن يقع بعض اللوم، على الأقل، على كاهل أفرقاء آخرين. وقد حان الوقت لفضحهم.