في جلسة خاصة إجتمعت مؤخراً في دبي مع بعض الأصدقاء والزملاء من آسيا وأوروبا وأمريكا وكان الحديث يدور حول ما يجري من حوادث خطيرة ومثيرة في فلسطين وربما لم يسبق لها مثيل على الصعيدين #السياسي والعسكري وربما التاريخي.
وقد عبر الجميع في مداولاتهم عن إنزعاجهم وتذمرهم من إستنجاد العرب بأمريكا وأوروبا من حين لآخر لحل مشاكلهم وتداوى جروحهم في فلسطين. ورأى بعضهم أنه يجدر بالعرب أنفسهم أن يضعوا أيديهم بأيدي بعض لحل مشاكلهم لأن الوقت قد حان لأن يتصرفوا كأمة تعرف كيف تتعامل مع مصاعبها ومصائبها خاصة وأنها كانت ولاتزال وستبقى خير أمة أخرجت للناس.
ولأهمية مادار خلال الجلسة من مداولات وماطرح خلالها من آراء وأبدي من تعلقيات فدعوني أنقل للقارئ الكريم بعضا منها. فقد قال أحدهم أن ما يدور اليوم، على الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس جديداً كما أن ما تقوم به إسرائيل حالياً، من إغتيالات، ومن إقتلاع شعب من جذوره، من قتل أطفال، من تجاوز كل الأعراف والمعتقدات والقوانين والسنن والشرائع، وفي خلق بدعة لا مثيل لها، على مستوى إغتيال أمة، ومحاولة محو شعب ليس فقط من الجغرافيا، بل وربما من التاريخ أيضاً.
وعقب أحد الحاضرين على ذلك قائلاً أن الأمر المستهجن الذي يصل إلى حدود الظاهرة هو إصدار القرار الإسرائيلي القاضي بإعدام رئيس دولة، تحت غطاء ترحيله من وطنه ومن أرضه، أرض الرسل والأنبياء، وأمته، وقدسه.
وتدخل متحدث آخر، ليقول أن هذا القرار الإسرائيلي، شكل ومنذ لحظة إعلانه إستباحة ليس فقط لحرية رئيس دولة في العيش بكرامة وبحصانة على أرضه وبين شعبه، بل شكل دعوة صارخة لإستباحة دم هذا الرئيس الفلسطيني، بعد الإستباحة المتمادية لدماء أبناء شعبه وجلدته.
أما أنا فقد تدخلت في الحوار فأشرت إلى أن طبيعة الدولة الصهيونية، منذ تخرصاتها الأولى، ما كانت لتنتج سوى هذه الأساليب الإجرامية، وستكون ثقافتها بالتالي وتوجهاتها محكومة في مسار محدد لا يفضي إلا إلى المزيد من الإجرام.
ثم أضاف أحد الجالسين وهو آسيوي، أن ما لا يمكن فهمه، ولا يمكن قبوله، أو تبريره هو هذا الصمت العربي المريب، هذا السكوت المخزي للشعوب في كل أرجاء الوطن العربي المسكوب بين البحر والنهر.
وأن ما ليس معقولاً، ولا مفهوماً، أن هذه الأمة العربية، من محيطها إلى خليجها، بشعوبها وبحكامها، لا تستطيع الوقوف، حتى وقوف المعترض، أمام عتّي هذا السفاح الإسرائيلي شارون الذي يحاول سحق هذا الشعب المناضل ومقاومته للإحتلال والمحتلين.
ودعماً لهذا الرأي أكدنا جميعاً إلى أن الحاكم الإسرائيلي يحاول وبوسائله المنحرفة أن يغتال هذا الشعب وصفوته وقيادته واحداً بعد الآخر، محاولاً بذلك إغتيال وقتل هؤلاء الرجال،الذين يصونون شرف العرب والمسلمين، ويشكلون جداراً واقياً لهذه الأمة، ويدفعون عنها مؤامرة الإجتثاث والإقتلاع القادمة مع قوافل بني صهيون.
وهنا تدخل أحد الحاضرين وهو أوروبي، واصفا طرد عرفات وهو رئيس دولة منتخب بخيار شعبه وبشرعية دولية بأنها إهانة ليس للعرب فقط، بل للعالم بأجمعه. وقال أنه يستغرب كيف تتجرأ إسرائيل على إتخاذ هذا القرار، ثم تساءل عن سبب تمادي الدول العربية في تجاهلها لهذه القضية الخطيرة، حتى إن بعض العرب أو بالأحرى معظمهم يمارس هواية التفرج، ولا يتوانى عن إطلاق نداءات الإستغاثة وإصدار بيانات الإستنكار الفارغة مطالباً أوروبا والولايات المتحدة بالتدخل لحل القضية.
وتعقيباً على مادار من مناقشات، تدخل متحدث آخر ليقول أن أمريكا هي الداعية والداعمة، والحليفة، والشريكة الكاملة الشراكة لإسرائيل، فكيف يطلب من الجلاد أو السجان أن يكون عادلاً مع ضحيته. طبعاً يتم هذا الكلام وبوضوح عن معظم الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي لا تكن للعرب سوى العداء، وحري بالقول في أنه لا يقصد الشعب الامريكي الذي يتفهم وبنسبة عالية عدالة القضايا العربية، وخاصة قضية العرب المركزية فلسطين.
وخاطب المتحدث العرب بقوله كفاكم خوفاً، كفى إتكالية، وكفى هرباً إلى الأمام، ولتقفوا ولمرة واحدة، وقفة رجل واحد لمساندة الشعب الفلسطيني، وأنتم تمتلكون كل المقدرات لإتمام ذلك. وقال أن النداءات التي تصدر عن مسؤولين أو رؤساء مناشدةً أوروبا أو أمريكا للتدخل هي مضيعة للوقت.
وأضاف أن أمريكا لن تستجيب للنداءات، ولا حتى أوروبا، والمستغرب من بعض العرب كيف لا يتجرأون على إنتقاد الإدارة الأمريكية، وكيف يطالبونها بالحل، وهي الداعمة والمتجاهلة للعرب وقضاياهم.
وعدت، ختاماً، لأتدخل في المناقشة وأقول أن مساندة ودعم قضيتنا في فلسطين تحتاج فقط إلى قرار حازم وهذا القرار لا يستطيع إتخاذه إلا المؤمن القوي في إيمانه وشعبه ودينه.
وهنا إنبرى أحد المتحدثين ليؤيد ما ذهبت إليه فقال بالأمس كانت فلسطين، واليوم العراق، وغداً .. من يدري.
ونهاية أقول فلنوقف الإستغاثات والنداءات، والمناشدات التي لا تؤدي إلى نتيجة، ولنتكل على أنفسنا ولو لمرة واحدة دون الإستعانة بالغرب وبالغرباء، فنحن الجهة الوحيدة التي تعرف العلاج لأنها تعرف المشكلة وبالتالي عدم التعويل على الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل دون حدود.