أخي العزيز تريم
رحلت، وكانت مشيئة الله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، في وقت، ربما يكون الأكثر إلحاحاً، والأكثر حاجة إلى حضورك .... إلى ذلك الفيض من الأحاسيس القومية والعربية، إلى ذلك الدفق من العطاء الإنساني، إلى ذلك القلم الذي لم يئن، ولم يتشكى، لم يداهن، ولم يمالق، وكان سباقاً في الإعلان عن الحق، عن الحقيقة، جريئاً في البوح بالكلمات التي تقال والتي لا تقال ...
يوماً ... بعد يوم ... إفتقدك ... تفتقدك "#الخليج" التي تعلن كل صباح ولادة جديدة لأقلام لا ترحل، ويؤكد أن الرحيل الجسدي هو أبسط أنواع الرحيل، ولعله لا يلامس، ولا يقارب الحضور الفكري الذي لا يدانية حضور.
نقاشات، وأحاديث وسجالات كانت تدور بيننا، ... تحليلات تخالجها الرعشة، ومباسطات فكرية كان يتخللها فزع كبير ... فزع على الحاضر العربي ... فزع على المستقبل. أذكر تماماً حجم مخاوفك من الغد القادم، واذكر انك كنت جزعاً على الغد العربي القريب كنت ترى حجم الكارثة القادمة، لأن الحاضر آنذاك كان ينبئ بشر مستطير، وبوعيد الأيام الحالكة تتطاول على الحلم .. الحلم العربي.
لم تكن زهرية أحلامنا، ولا تطلعاتنا، وأذكر أن كل منا كان واضحاً ... صادقاً ... شفافاً حين أعلن أن الأحلام الوردية ... لا ترى النور في مستنقع الوجل على مصير أمة ... ومصير شعب.
لقد حدث ما كنت تخشاه ... يا تريم ... فلقد صدر القرار الدولي بذبح أمتنا العربية ... وفق سيناريو محكم، وبأتساق سياسي لا مثيل له، وبتضافر شديد من أطراف كثيرة، ومتشبعة، وها هي أمتنا تتعرض لتقطيع شرايين مبرمج.
فها هو شعب عربي جديد يتعرض للإبادة في أنحاء العراق ... وها هي "الخطة" أو المؤامرة تشرئب من جديد، لتحوم فوق هذا الوطن، حاصدة أرواح الأبرياء، والأطفال والشيوخ، والنساء، لا بل إن هذه الخطة تحاول إستئصال؟ روح المقاومة العربية، والمنعة العربية، والعنفوان العربي ...
إن أمتنا يا تريم .. تتعرض لمذبحة مدروسة، كانت كل النذائر، تمهد لها ... كالحة ... أيامنا ... سوداء ... مدلهمة لحظاتنا ما كنت تتوقعه، على مستوى أداء بعض المحافل والأنظمة العربية، حدث وبتهافت ساقط لا مثيل له ولا سابقة.
ما كنت تراه من سعي بعض القوى الكبرى لفرض هيمنة سياسية، وأحادية أيديولوجية على العالم، قد وقع فعلاً. كنت تخشى، على شعبنا العربي، وعلى شعوب العالم قاطبة من بعض أنظمة الحكم الواحد، والتوجه الواحد، وكانت أنظمة الحكم الواحدة، معدودة على أصابع اليد الواحدة، ولم تكن بذات تأثير، على مسار العالم وتطوره.
اليوم أصبح العالم برمته ضمن نظام الحكم الواحد الأميركي، والتوجه الواحد؟ الواحدة. كانت بعض شعوب العالم، تعاني الفقر، والإضطهاد، والقمع، والحرمان، اليوم، أصبحت السمة، مشتركة، تتقاسم إسقاطاتها معظم هذه الشعوب.
كنت تخشى هذا اليوم، يا تريم ... وكنت تنتظره ربما، بهلع، وتحذر منه، وتطالب بالتحوط، بالإنتباه، بتغليب الهم العام على الهم الخاص، حتى نبقى، ويبقى أس المناعة السياسة لأمتنا، قائماً ... وشامخاً .. ربما لهذا رحلت ... وفي هذا بعض من التجديف .. ولكني يا تريم أسر إليك ببشرى كبيرة، وهي أن معاقلنا العربية، ومطارح أحلامنا، ومواقع شعوبنا، تتعرض لأعتى عدوان ولكنها لا تسقط، وإن سقط البعض منها، فأبشرك يا تريم، إن هذا البعض يسقط واقفاً ... عصياً .. مكابراً مهللاً الله أكبر ... سقط البعض منا يا تريم ... والمسيرة طويلة. يعتريها؟، هنات، ومصاعب، وتضحيات ... سقطت أنظمة ... سقطت رموز سياسية وتبدلت وجوه كثيرة في العالم ... لكن شعبنا باقٍ يزود بأغلى ما يملك عن أغلى ما يملك الكرامة والأرض ويدفع ضريبة الدم نيابة عن الأمة العربية جمعاء.
أبشرك .. حيث أنت .. في جنات الخلد، إن شعبنا العربي ما زال حياً، وأن شعبنا الفلسطيني، هذا الشعب الذي أتى على ذكره القرآن الكريم، ما زال مستمراً وسيبقى في المواقع المتقدمة عينها، يقف مرابطاً على ثغور الوطن، يدفع عن أمته مؤامرة الاجتثاث الزاحفة مع جيوش إسرائيل وترساناتها الهمجية.
إن الشعب الفلسطيني يا تريم ما زال مستمراً في الدفاع عن كرامة وشرف أمتنا العربية والإسلامية ما زال يقاوم رافعاً رايات العزة بدون أي دعم أو مساندة من اي جهة عربية أو إسلامية .. لا بل وسط حصار عربي وإسلامي في بعض الأحيان .. قدرنا .. هذا ... أن يقتلونا، ونقاوم ... أن يحاصرونا ونستمر