إن متابعة حيادية للحياة السياسية والبرلمانية في العالم تؤكد أنه وعلى مر التاريخ لم تكن هذه الحياة تستوي، وتتجدد، وتضج بالفعالية لولا تلك الإختلافات في الرؤيا والتحليل والتقدير بين التيارات المتعددة التي تشكل عصب وأساس الحياة السياسية لأي وطن، فالتباين في وجهات النظر مسألة يجب إيجادها إن لم تكن موجودة، لتقويم الأداء، وتداول السلطات مسألة في غاية الأهمية لتقويم الجهود والحياة المدنية، والإقتصادية، والسياسة في كل بلدان العال.
الدول والمنظومات في القارات بأجمعها تعيش هذا الواقع، وترضخ لأحكامه الطبيعية التي تتمحور حول التعددية السياسية، والتيارات الفكرية المتناقضة، ولم يشهد التاريخ مجتمعاً مدنياً أو سياسياً، او فكرياً، أو أي شكل من أشكال التجمع البشري إلا وكانت حياته العامة حاملة بتيارات مختلفة، ومتناقضة أحياناً، إلا أن الإختلافات في وجهات النظر في العالم المتمدن، الديمقراطي، الحديث، لم تكن مدخلاً إلى تصدعات خطيرة على المستويات الإقتصادية والبنيوية في أي مكان كما هو حاصل اليوم على المستوى اللبناني.
والمثال على ما نقول ما حدث ويحدث في بريطانيا، وليس على سبيل الحصر، فهذه البلاد التي تعتبر أم الديمقراطيات، وأساسها شهدت وتشهد خلافات بين أحزابها، ومكوناتها السياسية، إلا أن الإحتكام كان يتم دوماً إلى المؤسسات، والكلمة الفصل في التناقضات كانت تصدر في البرلمان ليكون لها صفة الإبرام والإلزام، ولم يشر تاريخ الأطياف السياسية لهذه الدولة العريقة إلى إحتكام، أو إستقواء، أو تحريض للشارع بما يشكله الشارع من إناء واسع، أو مرجل ذي أرضية ملتهبة لكل الأهواء والسياسات والعوامل الخطيرة.
أوليس في هذا الأداء عبرة ؟؟؟ ودروس؟؟؟
أولم تعاني بريطانيا لسنوات خلت من تفجيرات، وعمليات تخريب قام بها الجيش السري الإيرلندي في العاصمة لندن؟ أولم تسيء هذه العمليات الإرهابية الى مجمل الحياة العامة في المملكة المتحدة؟؟ بالطبع وبالتأكيد نعم.
ولكن الصحف البريطانية ووسائل الإعلام على مختلف إتجاهاتها، وحدت جهودها وفي خطوات كانت غير منسقة أحياناً، وغير موحدة، إلا تحت عنوان وحدة ومصلحة بريطانيا العظمى لتدفع الى واجهة وعناوين أخبارها الحديث المستمر عن الأمان والإستقرار، ولتؤكد على إستمرارية المواطن الإنجليزي في عمله، مما أعطى لإقتصاد البلاد إستقراراً ونمواً ولم تتوقف الحياة العامة حتى في ظل تلك الأوضاع المشؤومة لم تلجأ وسائل الإعلام هذه الى أسلوب الإثارة، إثارة الخوف، ونشر الذعر لدى الوافد والمقيم، لدى السائح والمواطن، لدى المستثمر الأجنبي، والوطني.
لا أريد التلميح، أو الغمز هنا، بل إني أشير بشكل مباشر إلى الإعلام اللبناني، الذي شكل ولحقبة طويلة عيون العرب، بصرهم، وبصيرتهم، صحيفتهم ومرئيتهم، أقول لهذا الإعلام اللبناني، الذي أحترمه، وتربطني العديد من علاقات التقدير بمعظم رجالاته ومؤسساته أن كفوا عن أسلوب الإثارة، وكونوا أنتم دعاة لبنان، ووجهه الحضاري الآمن وسط هذا الآتون السياسي.
لشهر مضى، أعلنت بما يشبه المناشدة والفزع على لبنان، إن إستمرار الوضع اللبناني على حالة الإنقسام هذه قد تؤدي الى ما يشبه ثورة جياع ناتجة عن توسع رقعة جيوش العاطلين عن العمل.
أولن يشكل، تفاقم الخلافات بين اللبنانيين، مدخلاً الى وضعية يصعب حلها، وإيجاد علاج ناجع لها، فالهوة بين القيادات والفئات اللبنانية آخذة الى توسع الجرح، بما يصعب إلتئامه – لا سمح الله – على مدى قريب أو منظور. فأعداد كبيرة من الموظفين قد فقدت أعمالها خلال الأشهر الماضية، وهذا التداعي آيل الى التصاعد، بما يؤكد أن شريحة جديدة من العائلات اللبنانية، ستكون وافدة الى عالم عدم الاستقرار، والفقر والعوز.
#من_المسؤول؟؟؟
لتكلف أية جهة نفسها في لبنان عناء التدقيق والتقصي عن الخسائر التي لحقت بالإقتصاد اللبناني في المدة الأخيرة. أيدري البعض، أن خسائر لبنان ناهزت بعض المليارات، وإن هذا النزف يكبر، ويكبر نتيجة الشلل الذي تعانيه البلاد؟؟؟
أيعلم البعض، كم هو عدد المستثمرين الذين كانوا يخططون للإستثمار، أو لتوسيع إستثماراتهم في هذا البلد، وألغوا كل خططهم؟؟؟
من هو الخاسر، بالتأكيد هناك خاسر كبير وفي المقابل، ليس هناك برابح؟؟؟
إن المواطن اللبناني هو الخاسر، وإقتصاد لبنان هو الخاسر، وبيت مال هذا البلد هو الخاسر، أوليست الطبقة السياسية اللبنانية، هي المسؤولة؟؟؟
أنا أطرح هذه التداعيات، ولست حيادياً فيما يدور على أرض لبنان، فأنا منحاز وبشكل كامل إلى لبنان ونموه، وتطوره، وأمنه وإستقراره الإقتصادي. ولكن #من_المسؤول ؟؟؟
فالجوع يشكل أرضية للإرهاب، والعوز هو المدخل الطبيعي نحو الفوضى، والفقر هو المناخ المؤاتي للتسيب والفلتان .. فأرحموا لبنان.
إن فئة كبيرة من المجتمع المدني اللبناني، تبدو غائبة أو مغيبة اليوم، ولا أدري لماذا تستنكف هذه الفئة عن القيام بدور مفترض وعتيد، فهي أيضاً مسؤولة أمام التاريخ، والشعب أيضاً.
فالمسؤولية ليست حكراً على مواقع رسمية أو تمثيلية، إنها وطنية وقبل كل شيء، يجب أن ينبري لها وبدون تكليف، النسيج المكون من: المثقفون، التجار، الإقتصاديون. أوليس هؤلاء، هم أساس النهضة الفكرية والإقتصادية، أولا يفترض بهم أن يهبوا لنجدة وطنهم، والتعاضد لوقف هذا الإنهيار المستمر.
في النهاية، لا أفشي سراً، إذا قلت أن أحداً لن يساعد لبنان، إن لم يساعد نفسه، أو يدري البعض في هذا البلد الصغير أن العالم منقسم في نظرته نحو لبنان بين شامت، أو متفرج، أو مغتبط بما يجري، وإن القليل، القليل من يخامره في العالم شعور بالحزن أو الخوف، أو الرغبة بمساعدة لبنان.
هذا الواقع مؤلم، بلا شك، إلا أنه حقيقي ولن يغير هذا الواقع إلا اللبنانيين أنفسهم، فإن أحداً، في العالم، لا يعطي بلداً ما يرفض أهله أن يعطوه إياه.
#إرحموا_لبنان ... مرة أخيرة ... ولا أعتذر عن هذه الرسالة، ولا أضعها في خانة التدخل في شؤونكم لأنني كما قلت لست حيادياً فيما يجري على أرضكم الطيبة.
فأنا، معكم، أنزف عندما تنزفون، وأتألم عندما تتألمون، ولكن إمكانية الخروج من النفق تبدو واضحة، وجلية، إنما تتطلب القرار الصعب بالتعالي عن الذات. ولا يخالجني شك بأن لبنان يزخر بهذه النوعية من القادة والرجال، ولكن متى؟؟؟