بداية، أبادر إلى التوضيح إلى أن موضوع مقالتي الحالية حول #الإنتخابات_والديمقراطية، ليس لها أية علاقة خاصة أو عامة بما جرى مؤخراً بين الشقيقتين مصر ولبنان، وإستطراداً فإن الكلام عن هذا الشأن، هو مقاربة لنمط عام يسود بعض أنحاء العالم العربي، محاولاً التسلل إلى أنحاء أخرى تحت مندرجات شتى ومقتضيات عديدة تتراوح بين شعارات الشرق الأوسط الكبير، أو النظام العالمي الجديد.
إذن، هذا الكلام، يتناول النظام العربي الرسمي أو على الأقل أجزاء عميمة منه، فالإنتخابات، والتبشير بها، أو الدعوة إليها، كما الديمقراطية المصطنعة، أو الهجينة، لم تأت بجديد، وبمعنى آخر، لم تضفي أية لمحات خاصة على المشهد العربي، ولم يتسم الواقع العربي، لا ماضياً، ولا حاضراً – بأية إيجابيات ولم تحدث أية تحولات في مفاهيمنا الثقافية، وفي قيمنا الإجتماعية، وبالتالي لم يكن لها أية بشائر، أو مقدمات لبوادر خير، أو تحديث أو عصرنة، أو أية بدايات أو ملامح نهوض في المناخ العربي العام أو في الأرضية الفكرية التي تحتضن تراثنا ومفاهيمنا ومنطلقاتنا العامة، وخاصة في الدول الخليجية تحديداً، وفي وطننا العربي كله من أقصاه إلى أقصاه تعميماً.
أعلم، يقيناً، أن الكثيرين قد لا يؤيدونني في هذا الكلام، ولا يشاطرونني الرأي عينه، وقد يذهب البعض على نحو مختلف ليشكك في إخلاصي لوطني العربي، وأمتي العربية، وقد يجنح البعض في تأويلاتهم نحو معارج شتى تتراوح بين الإتهام المسبوق، مع نظرية المؤامرة المستديمة، أو بين التحليل المسطح الذي يأبي مغادرة أسن مستنقعات التكفير، المستظل بالشك إزاء كل تميز أو فرادة، وبالحذر والإرتياب لدى كل خروج عن النص النمطي المقيت.
وللتوضيح أبادر إلى الإشارة والتأكيد على أنني وكمواطن عربي في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يرأسها ويرعاها ويدير شؤونها حاكم وينوب عنه في رئاسة الدولة حاكم إمارة اخرى، ويتولى مجلس أعلى من حكام الإمارات شجون وأعباء الحياة العامة في البلاد، أعيد أنني كمواطن عربي من دولة الإمارات العربية المتحدة أعلن إتزازي الكبير، وانتمائي الكامل، بالفطرة وبالعقل، وبالإحساس، وبالمشاعر، إلى هذا النهج الصائب الذي يدير البلاد بحكمة، بإستنارة، بعصرنة، بحداثة ، وبعناية قل نظيرها، خاصة وأن هذا النمط الذي ساس دولة الوحدة أكد نجاحاته وبالمطلق في إرخاء ظلال التآلف والتوحد بين المواطن، والمقيم، والوافد.
فالمواطن يتمتع بكامل حقوق الرعاية والإحتضان والكرامة، والأمان الإقتصادي والإجتماعي، إبتداءاً من مجانية التعليم والطبابة في الداخل والخارج، مروراً بالسكن المريح والعصري، وإنتهاءاً وليس نهاية تمتعه بكامل الضمانات الإجتماعية والصحية وخلافهما، ناهيك عن تصدي الدولة بما هي أب وراع لأعباء الزواج ومتطلبات الحياة، فأسلست للمواطن الإستفادة من معونة الزواج الذي تقدم لطالبيها مبلغاً من المال ليس باليسير، هذا عدا عن مبادرات الدولة على أصعدة أخرى ذات منفعة عامة، وذات عوائد عامة للمجتمع الإماراتي بحيث أطلقت مجموعة من المشاريع الكبرى وجعلتها بمتناول المواطنين على كافة المستويات (الأغنياء منهم والفقراء) ليستفيدو منها، ولتكون عوناً إقتصادياً لهم جميعاً بجميع أجناسهم، وأعمارهم.
وأيضاً وبمناسبة الحديث المتمادي عن الديمقراطية، ومعناها، والذي يأخذ البحث حولها طابعاً خلافياً في أحيان كثيرة، فأنا لن أتكلم عنها ولن أشير إليها كمصطلح سياسي، وبالمفهوم الشرقي أو الغربي، بل لعلي سأجانب الإشارة إلى الإشكالية التاريخية حول مفهومها خاصة وأنني أعلنت وبوضوح في بداية مقالتي ما يؤكد أنني منحاز إلى بلادي وتجربتها، ضد "الديمقراطية" الملتبسة وضد "الإنتخابات" كمبدأ سياسي.
بل أنني سأتكلم عن حيز بسيط من عوالم الحريات اللامتناهي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحيث ستتولى إشارتي هذه تعرية واضحة وكشف لكل أستار " الديموقراطية" الوهمية والمزعومة في العالم. فالمواطن الإماراتي يستطيع مخاطبة حاكمه بشكل مباشر ووجهاً لوجه؟، كما يستطيع أن يقول وينشر رأيه في كل ما يروم ويريد بحرية مطلقة، ويستطيع أن يقاضي الدولة لحماية حقوقه لدى حصول أي إفتئات أو خطأ تجاه هذه الحقوق التي يحميها الحاكم والقوانين المرعية كما يستطيع الإشارة والتدليل على أي تقصير في أعمال الإدارات العامة وبأجواء من الحرية التامة، كما أن وسائل إعلامنا تتمتع بحصانة وبحرية كبيرة في التطرق إلى كافة أنواع المواضيع السياسية والإقتصادية والإجتماعية، بلا رقابة ولا رقيب، ولا من يراقبون.
فهل في هذا كله ديمقراطية وحرية، أم لا؟ أولهذا المصطلح معان أخرى وشمولية أكبر؟؟؟ وهل نريد حرية أكبر من هذه، أو ديمقراطية أعم وأرحب أيضاً ... وأيضاً ثمة شفافية صريحة وواضحة وأكيدة بين الدولة من جهة والمواطن والمقيم والوافد العربي أو الأجنبي، أما على مستوى أداء إدارات ودوائر الدولة في الإمارات، فلقد تميز هذا الأداء بالرقي، والحداثة منذ إرهاصاته الأولى فلا وجود للمعوقات، ولا للروتين، ولا للبيروقراطية القاتلة، ولا للفساد المستشرى في إدارات العالم العربي وليس هناك ما ينم عن إسقاطات الرشاوي والمحسوبيات التي تشكل السمة الأساسية الغالبة على إدارات الوطن العربي بمعظمها.
فبالله عليكم، إلا يشكل هذا الأداء أعلى مراتب الحرية والديمقراطية؟ أو لا يسفه ويقزم ويغني عن كل أنواع الإنتخابات والإقتراعات، والتصويت؟. إننا يا سادة نعتز بما لدينا، نفتخر بلا تعالٍ، ونشمخ بلا مكابرة، بإسلوب حكامنا وإدارتنا، في شؤون البلاد والعباد.
فحرصاً على الوطن العربي، وحباً، ادعو الجميع بكل تواضع – إلى إستنساخ تجربتنا في الحكم، ليس على مستوى القوانين، ولكن ايضاً على مستوى طبيعة العلاقة بين الحاكم والمواطن لأنهم وفي كل الظروف، اليسيرة منها والعسيرة، المؤاتية، أو المجانبة، شكلوا ويشكلون فريقاً واحداً موحداً في الهدف والرؤيا، في الوسيلة، وفي الأهداف.
إذن، هذه هي فرادة النمط الإماراتي، فالقيادة هي لخدمة الوطن والمجتمع، والنفوس، أو بمعنى آخر إسلوب الحكم أهم من النصوص، هذا هو بالتحديد ما يجب استنساخه، ولا أجد في هذه العجالة أية قيمة للنظريات التي يروجها البعض حول عدم جواز المقارنة بين دولة الإمارات وعلاقات حكامها بأهلها، وبين الدول العربية الأخرى ونمط علاقاتها بسكانها، خاصة أن أصحاب هذه الإدعاءات يحاولون الهروب إلى الأمام والتلطي وراء الأصابع تحت شعاع الشمس الباهر والمنير، عبر إدعاءاتهم أن تلك الهبة الإلهية أي النفط يدفع دولتنا نحو مصاف الدول الغنية – ولله الحمد.
ولا أجد حياءً في الإعتراف بأن تلك الثروة النفطية موجودة لدينا، وأيضاً موجودة وربما بما يفوق موجوداتنا لدى الآخرين في الوطن العربي، إضافة إلى ثروات المعادن، المياه والمناخ، والحضارات المتعاقبة التي جعلت من بعض أجزاء الوطن العربي متحفاً طبيعياً فريداً، ولكن الفارق وحيد، وبسيط ربما، فدولة الإمارات العربية المتحدة، وضعت ذلك العطاء الرباني في خدمة الوطن، بينما وضع الآخرون ما لا يمتلكونه في عهدتهم الخاصة.
ولا أريد أن أقول وأستزيد على هذا النحو، حتى لا أخرج عن مساراً حددته لنفسي بتقريب ما يمكن تقريبه على المستوى القومي، وعدم الإنسياق وراء ما يباعد ويفرق بين إنحاء أمتنا، تصويباً لأهداف موضوعة مقالتي، ولوضع الامور على جادة ما سعيت وهدفت أؤكد أن ثروات الأوطان هي لرفاهية الشعوب، وليس لبعض من ساقتهم الأقدار إلى سدة المسؤوليات والسلطة بفعل فاعل، أو بظرفٍ قاهر، والشعوب يجب أن تنعم بمقدراتها بشكل آلي، لا إستجداءاً، ولا تقطيراً، ولا هبةً.
إذن لا بد من المكاشفة، والنقاش، والمصارحة بين الدولة والمواطن، وضعاً للامور في نصابها الحقيقي، وحتى لا تبقى الثروات النفطية العربية في بعض أصقاع الوطن العربي متداخلة في مسالك غير واضحة، ولا يستفيد منها المواطن العادي، فلا بد من تمتع هذا المواطن، بما منحته إياه العزه الإلهية، وإلا فإنني وبدون مبالغة أدق ناقوس الخطر، وأقرع أجراساً تنذر بشرور لا مدى لها ولا قرار، لا سمح الله إذا لم يتم تصحيح العلاقة الجدلية بين الحاكم وأهله في العالم العربي.
فعدم المصارحة، والمكاشفة وزرع الجهل والفقر ستفتح أبواب ممارسات غريبة ومريبة في واقعنا العربي، وقد تدفع باتجاه نشوء بعض السلوكيات السياسية المنحرفة والمدانة، والتي كنا سابقاً لا ندري أسباب نموها، وبتنا الآن نستشعر أهم أسباب تداعياتها. إسمحوا لي مرة أخرى، أن أعلن أنني ضد أنماط الديمقراطية المستوردة، وضد أشكال الإنتخابات التي زادت وطننا العربي تصدعاً وانقساماً وقلقاً، وأدعو أبناء وطننا العربي، بكل أطيافهم الثقافية والإجتماعية، إلى متابعة تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، هذه التجربة الفذة والرائدة، التي جعلت من رمالنا الملتهبة، برداً وسلاماً، وجعلت من وهادنا وروابينا نموذجاً عصرياً فريداً يضاهي لا بل يتقدم على أجزاء كثيرة من أوروبا على المستويين المادي والبشري.
لذلك أدعو الجميع إلى الإقتداء بدولة الإمارات، وإلى زيارة ربوع الخير في هذا الوطن للتأكد، كيف يعيش المواطن والوافد، العربي والأجنبي، بحرية تامة وبديمقراطية صحيحة، وأنا على ثقة بأنكم ستتخلون عن شعارات الديمقراطية والإنتخابات التي لا تحمل في طياتها أي معاني إلا الشقاق.