بادىء ذي بدء، أبادر الى التنويه والاشارة إلى أن محبتي وإيثاري لهذا الوطن الصغير هما الدافع إلى هذه الرسالة؟ الدعوة التي أردتها مفتوحة تدليلاًعلى علاقتي بلبنان وشعبه التي إتسمت وعلى مر الأيام بالود، بالإحترام، والشراكة الفعلية. علاقتي بهذا الوطن هي علاقة إحترام وفعل إيمان بهذا الشعب المؤمن بأرضه، ووطنه، إيماناً لا يلين.
أكاد أقول أن البعض منكم، أخواتي وأخوتي في لبنان، قد كان السباق، والقدوة، في محبة بلاده، وفي إنسياب العطاء والتضحيات التي عبقت في حنوّ سهولكم، وتضوعت أريجاً أبدياً في جبالكم الشامخة. من سواحلكم العنيدة، الممتنعة، كانت الحضارة تشق طريقها نحو #أصقاع_الأرض، وكان الحرف يتهادى كعطر البخور، يضيء حلكات ظلام متفشي في أرجاء عديدة في المعمورة.
كنتم صحيفة العرب، أكاديميتها، جامعاتها الراقية، كنتم الرئة التي يتنفس منها بعض العرب رائحة الحرية، كنتم المطبعة التي تكتب وتؤرخ وتوثق. كنتم ... كنتم ... كنتم، فوالله، لو أهدرت صفحات وصفحات لما تمكنتُ من إيجار بعض ما كنتم يا أهلي الأعزاء في لبنان ... ولكني أفزع أن أضطر للقول، ماذا تفعلون؟ فأنا لم أشك لحظة في محبتكم لوطنكم، ولم أجزع يوماً على الديمقراطية التي أثبت شعب لبنان، أنه يلوذ بها. كانت الديمقراطية وستبقى إحدى مميزات المجتمع اللبناني.
أيضاً لم يخالجني الشك، ولو للحظة، حتى في السنوات الصعاب حرصكم الشديد، حرص لبنان كمجتمع، وكشعب على الأمن وعلى الأمان الوطني، الذي جعلتموه جميعاً فوق كل إعتبار. كنتم ... ومازلتم، ذلك الشعب الذي يتعاطف، ويتفاعل مع محيطكم، وخاصة مع أخوة اللغة والمصير في الجغرافيا، لذا أعتقد جازماً وأنا على يقين راسخ بأن شعب لبنان ليس بحاجة إلى "توصية" على وطنه.
إلا أن محبتي، وحرصي على هذه البقعة العربية المضيئة جعلاني أطلق هذه #الرسالة_المفتوحة، وهي رسالة أردتها أن تكون من القلب إلى القلب، ومن العقل ولعل معظمكم يعرف عمق ارتباطي، وشديد أواصري، ومدى محبتي لوطنكم الذي أرى إليه كوطني الأول دولة الإمارات العربية المتحدة.
ترددت طويلاً قبل توجيه هذه الرسالة لإيماني العميق، بأنها قد تصل ويكون محتواها قد أصبح من الماضي، لأن الشعب اللبناني يعرف تماماً، كيف يتجاوز محنه، وكيف يرتقى فوق أوجاعه، وكيف يعبر من رحلة اليأس إلى رحاب الرجاء والأمل، ولعل إيماني هذا في موقعه، وكان يتناهى إلى وجداني خاطرٌ مُلح، وهو أن أكاشف بعض الأصدقاء اللبنانيين ببعض خشيتي وهواجسي حول ما يدور. إن هواجسي ليس على وحدة اللبنانيين، ولا على وحدة لبنان، فبثقتي أن هذا الشعب أكبر من أن يقسم، وجبال هذا الوطن لا يمكن إلا أن تكون عراها وثيقة مع سهولها.
خشيتي ليست على هذا المتين والثابت بعون الله وبمشيئته، فأنا أعلم، علم أن كل ما يدور من سجال سياسي هو نسيج من تلك الديمقراطية والحرية التي تكلل القامات والحياة السياسية في لبنان، وهي بالتاكيد محكومة تحت سقف وحدة لبنان، ووحدة اللبنانيين، حتى لو كانت إيقاعات هذا السجال تبدو أحياناً غير منتظمة وتبدو في أحيان أخرى متفلتة من كل عقال.
هذا واضح، وربما نهائي، ولكن هذه المناكفات السياسية، قد تشكل أرضية خصبة لبعض التدخلات الخارجية لتحاول العبث بوحدة الشعب وبمقدراته الإقتصادية والإجتماعية. هذه السجالات ذات الاداء المرتفع والحاد الشعارات، واسمحوا لي أن أقول إن هذه الإثارة في وسائل إعلامكم قد ترتد سلباً على إنتاجية البلاد وحركة نهوضها، فيما المطلوب التعاضد والتعاون مع المحيط العربي لإيجاد فرص عمل وروافع لحركة الإقتصاد وخلق وظائف للمواطنين.
فالتعثر الإقتصادي، سيشكل، دون شك بؤراً صالحة لكل انواع الفساد، والبطالة، والجريمة، وحتى الإرهاب الذي وضع مجتمعات بكاملها على قائمة المطاردة الدولية وحتى الإجتماعية، ولا أعتقد أن عاقلاً أو محباً لوطنه يسعى أو يريد سواءاً بعلم منه، أو بدون علم، بتخطيط أو بدون تخطيط، إلى دفع بلاده نحو هذا الدرك الأسفل في قائمة الدول. إنها لحظات الحقيقة، ولحظات المصارحة، وما ترددت طويلاً عن الإفشاء به لكم عن مدى محبتي لهذا الوطن، ومدى خوفي عليه، أقوله الآن وسط هذه العاصفة من التصريحات والتصريحات المضادة، من التظاهرات والتظاهرات المضادة، من التجمعات والتجمعات المضادة.
إن خشيتي تجد مبرراتها وسط هذا التأزم السياسي، الذي يشي بكل شيء، إلا بتأكيد عشق مكبوت ودفين لوطنكم، وكأنكم تترددون؟ أو تخجلون في إعلان حبكم الكبير لهذا الوطن الصغير، وسط غابات الدخان والغبار التي تستثار على وقع سياسي مرتفع.
فماذا لو كسب المرء بعض المواقع السياسية، وماذا لو أحرز صوتاً من هنا، أو سلطة من هناك، وفي سبيل ذلك، أضر بأساسيات بلاده الإقتصادية والإجتماعية. لا يخالجني أي شك بأن أحداً في لبنان، أو جهة تريد ذلك، ولكن قراءة الأحداث من الخارج توحى بأن خطباً جللاً على وشك الوقوع في هذا البلد الحبيب، وهذه قراءة خاطئة ولكن لها ما يستثيرها وسط الصخب الإعلامي، وضجيج التصريحات.
من البداهة التأكيد، على أنني لا أدعو إلى قيام مجتمع كامل ذو رؤية سياسية وإجتماعية وثقافية واحدة في لبنان، ففي هذا تسطيح للأمور، ولكنني أدعو أخواتي وأخوتي في لبنان، أدعو ذلك الشعب الطيب الكريم، إلى وضع الوطن فوق كل إعتبار فعلاً وواقعاً. أدعوهم إلى التماثل بالغرب، وتحديداً ببعض المجتمعات كفرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا على المستوى السياسي.
فهذه المجتمعات تعيش حالة صراع سياسي وحملات إنتخابية يتم فيها تبادل العبارات السياسية الحادة، إلا أن كل الإعتراضات والخلافات تسقط وتصبح هذه المجتمعات شخصاً واحداً عندما يتهددها أي خطر خارجي، او عندما يصبح الامن القومي لهذه الدول معرضاً