إن ما يسمى بالعلاقات الخاصة التي تجمع حكومتي الولايات المتحدة وإسرائيل أمر لا يخفى على أحد. ومن نافلة القول إن السواد الأعظم من الأمريكيين يساندون من أعماق قلوبهم علاقة الغرام هذه بين بلادهم والدولة اليهودية. معظم الأمريكيين يشعرون بميل للإسرائليين على حساب العرب. وياليتهم يعرفون كم هم مخطئين في ذلك! والحقيقة هي أن الأمريكيين فيما يستفيدون إفادة هائلة من الوطن العربي تجدهم لا يعلمون إلا القليل عن كونهم الطرف الخاسر من علاقتهم مع إسرائيل.
إن الرابطة الأمريكية الإسرائيلية قد أصبحت شديدة الخصوصية لدرجة أن قلة فقط هم من يسألون حتى عن قيمتها لهم. بل إن عدداً أقل منهم يطرحون الأسئلة عما تحصل عليه الولايات المتحدة مقابل دعمها المالي والعسكري والأخلاقي لكيان أجنبي تراه حكومتهم أنه معصوم عن إرتكاب الأخطاء. وفي الوقت نفسه يحافظون على مخاوفهم من العالم الإسلامي.
السياسات الأمريكية الخاطئة التي وضعتها إدارة الرئيس بوش بعد 11 سبتمبر قد عززت المواقف المعادية للعرب وللمسلمين لدى معظم الأمريكيين. وقد أظهر إستبيان أجرته مؤسسة غالوب مؤخراً أن أربعة من كل عشرة أمريكيين يشعر بـ"مواقف معادية" تجاه المسلمين. ولا يمكن وصف هذه المواقف بأقل من كونها في وجه الدول العربية التي إستثمرت ترليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي وتعتبر نفسها شريكات إستراتيجية لواشنطن.
ما الذي يعطيه العرب لأمريكا
الحقيقة هي أن الوطن العربي يقدم فوائد أعظم بكثير لأمريكا مما تفعله إسرائيل. وإليكم تفصيل ذلك:
الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهي كلها دول عربية أو إسلامية بإستثناء فنزويلا، تبيع نفطها بالبترودولار وهو ما يعني أن الدول المستوردة للنفط يجب أن تحتفظ بإحتياطيات نقدية ضخمة بالدولار الأمر الذي يعزز الدولار والإقتصاد الأمريكي. دول الخليج تورد للولايات المتحدة حوالي ثلث إحتياجاتها النفطية أي ما يقارب 2.5 مليون برميل يومياً.
الدول الإثنتان والعشرون الأعضاء في #الجامعة_العربية تستورد منتجات وخدمات من الولايات المتحدة أكثر مما تستورده من أي دولة أخرى، وخصوصا السيارات والآلات والمعدات الصناعية ومواد البناء والأدوية والكيماويات والطائرات. والسعودية لوحدها تستورد من الولايات المتحدة أكثر مما تفعله مصر وإسرائيل مجتمعتين. إجمالي مبيعات البضائع والخدمات الأمريكية لدول مجلس التعاون الخليجي "قد تجاوز 20 مليار دولار سنوياً" كما أنها "تخلق أو تستديم أكثر من نصف مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة" كما تقول إحصاءات مجلس الأعمال الأمريكي لدول الخليج. كما تضع دول مجلس التعاون سنوياً مليارات الدولارات من الإستثمارات في أسهم الشركات والعقارات والسندات الأمريكية. والسعودية تضخ لوحدها فقط حوالي 60 في المئة من إجمالي الإستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة تبعاً لما تقوله تانيا سي هسو، كبيرة المحللين المختصين في الإقتصاد السياسي في الشرق الاوسط في معهد بحوث سياسات الشرق الأوسط. وتقول: "إن هذا الإلتزام قد مكن الولايات المتحدة من تمويل العجز المتواصل في ميزانها التجاري وخلق فرص نمو إقتصادي جديد".
العديد من الدول العربية، وبالأخص الأردن ومصر ودول مجلس التعاون هم شركاء إستراتيجين للولايات المتحدة في المنطقة وتوجد فيها قواعد عسكرية أمريكية وتتعاون جداً مع الولايات المتحدة في "الحرب على الإرهاب". أضف لذلك أن المغرب والعديد من دول مجلس التعاون قد أبرمت إتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة وهي ما تأمل الأخيرة في تحويله إلى إتفاقية شرق أوسط للتجارة الحرة. كما أن أكثر من 50 ألف أمريكي مدني يعيشون في دول مجلس التعاون الخليجي، ويمثلون أكبر جالية من المغتربين الأمريكيين في العالم.
ما الذي تضحي به أمريكا من أجل إسرائيل
لكن ماذا عن الشعب الأمريكي؟ ما الذي هم مجبرون على التضحية به لتواصل العلاقة الأمريكية التفضيلية لإسرائيل؟ على أعلى القائمة يأتي الرقم الرسمي البالغ ثلاثة مليارات دولار أمريكي التي يقدمها دافع الضرائب الأمريكي سنوياً للخزائن الإسرائيلية سواء أحب ذلك أن لا. وهذا الرقم ينقسم إلى 1.2 مليار دولار معونة إقتصادية و1.8 مليار دولار معونة عسكرية يتوجب إنفاق ثلثيها على الأقل لشراء عتاد عسكري أمريكي الصنع.
وفي الحقيقة، تتلقى إسرائيل ما هو أكثر من ذلك بكثير لأن هناك أموالاً إضافية تصفها نشرة واشنطن ريبورت لشؤون الشرق الأوسط بأنها "مختبئة في موازنات الوزارات مثل وزارة الدفاع". كما تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل قروضاً بمليارات الدولارات وغالباً ما تشطب هذه الديون بعد ذلك بحيث تستطيع أن تزعم دون أن تكون كاذبة بأن إسرائيل لم تخل بسداد أي قرض. وتقدم الولايات المتحدة أيضاً ضمانات قروض لإسرائيل بحوالي ملياري دولار سنوياً.
وبتقديرات متحفظة يكون كل مواطن أمريكي حين لقاء ربه قد ساهم بما لا يقل عن 25 ألف دولار لدعم إسرائيل من أصل الضرائب التي دفعها، وهو المبلغ الذي يمثل للبعض أجر عام بأكمله. وقد بلغ إجمالي المعونات التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل منذ عام 1949 رقماً هائلاً هو 140 مليار دولار أو أكثر. وللمقارنة، يمثل هذا الرقم تقريباً مرة ونصف إجمالي الناتج المحلي للإمارات العربية المتحدة الذي بلغ 98.1 مليار دولار في 2005.
وماذا عن رد الجميل الإسرائيلي؟
هل يشعر الإسرائيليون بالعرفان لهذا الدعم المالي؟ وهل يحسون بالولاء لهذا الأخ الأكبر الكريم البعيد؟ الجواب هو لا. الكثير من الإسرائليين الذين تحدثت إليهم على مدى سنوات يشعرون بالعداء للولايات المتحدة. وهم يمقتون إضطرارهم للإعتماد على سخاء أمريكا وللإنصياع لأوامرها. ومع أن هذا الإستخلاص ناجم عن تجربتي الشخصية وليس على دراسات منهجية، فإن الدليل على الشكوك العميقة التي تكنها إسرائيل تجاه الولايات المتحدة هو حقيقة عمليات التجسس المنهجية التي تمارسها إسرائيل على أكبر حلفائها. وقد أعدت شبكة فوكس نيوز التلفزيونية، التي تعتبر جهاز دعاية لإدارة بوش، برنامجاً توثيقياً مفصلاً من أربعة حلقات عن النشاطات الجاسوسية الإسرائيلية في الولايات المتحدة أعده الصحفي كارل كاميرون.
وفيه قال محققون من مكتب التحقيقات الفيدرالي إف بي آي وغيره من وكالات الإستخبارات الأمريكية إن محاولة الكشف عن أي عملية تجسس إسرائيلية أو حتى الإيحاء بوجود هذه العملية تعتبر "إنتحاراً مهنياً" لمن يقوم بها. وينقل كاميرون عن تقرير إستخباري عسكري تفسيراً لرغبة إسرائيل في مواصلة التجسس على الولايات المتحدة. يقول التقرير: "الإسرائيليون تحركهم غرائز وجودية عارمة تملي عليهم شكل كل تحركاتهم السياسية والإقتصادية. وهم يعملون بكل قوتهم على جمع التقنيات العسكرية والصناعية، والولايات المتحدة تأتي في أعلى قائمة أهدافهم".
الأمر ببساطة هو أن كل مواطن أمريكي يدفع لإسرائيل ما متوسطه 25 الف دولار أمريكي من مجموع ضرائبه وفي المقابل فإن إسرائيل تتجسس على بلده. أما ما لا يمكن تصوره فهو أن أغلب الأمريكيين لا يدركون مجرد الإدراك بأن خيانة إسرائيل لهم تصل إلى هذا المستوى.
القيمة الإستراتيجية لإسرائيل
السؤال المهم هو عما تحصل عليه الولايات المتحدة مقابل كل هذا التفاني في خدمة إسرائيل؟
من وجهة نظر الحكومة الأمريكية، تمثل إسرائيل الحارس لمصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط. وهي تستخدم إسرائيل لإثارة القلاقل في المنطقة ولخوض حروبها بالوكالة عنها ولإختبار أحداث تقنياتها العسكرية وإيجاد طلب إقليمي على الأسلحة الأمريكية من مقاتلات ومروحيات ودبابات وصواريخ.
في السنوات الماضية قدمت إسرائيل خدمات كبيرة لسيدتها جيث كانت تشحن الأسلحة لدعم الدكتاتوريات الموالية للولايات المتحدة في أمريكا الوسطى ودولة الأبارتيد في جنوب إفريقيا والمجموعات المعادية للأنظمة القومية المناهضة للولايات المتحدة في الدول العربية وفي المقابل كانت الولايات المتحدة ملتزمة بشن الحروب نيابة عن إسرائيل.
فيليب زيليكو، المستشار السابق لجورج بوش، يقول إن غزو العراق لم تكن له أي علاقة بأسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين بل كان هدفه لإجتثاث تهديم متنام يطال إسرائيل. وينقل الصحفي سيمور هيرش، الذي كان أول من كشف فضيحة سجن أبو غريب، عن مصادر مطلعة قولها إن الحرب الأخيرة بين إسرائيل ولبنان قد خططت لها إسرائيل والولايات المتحدة خلال الربيع الماضي. وكان الهدف من وراء هذه الحرب هو تأمين إسرائيل من حزب الله قبل توجيه ضربة إستباقية محتملة للمنشآت النووية الإيرانية.
على الأمريكيين أن يعلموا أن حوالي ألفي جندي أمريكي ماتوا في العراق ومليارات كثيرة أنفقت لمواصلة الإحتلال الأمريكي لهذا البلد لا لجعل أمريكا أكثر أمناً ولا لنشر الديمقراطية، بل لحماية إسرائيل. كما أن إسرائيل التي لا تتوقف الولايات المتحدة عن الثناء عليها تزيد من حدة الفرقة بين الدول العربية حيث تجد بعضها وقد وقع معاهدات سلام مع تل أبيب فيما دول أخرى لا تزال شديد العداء لها. وتوفر العداوات السائدة داخل الدول العربية للأقليات في المنطقة والمدعومة من جانب الولايات المتحدة الفرصة لإثارة الإضطرابات مما يزيد من ضعف الدول العربية. وهذا ما نجده في أوضح صورة في العراق حيث تم تحريك الشيعة ضد السنة.
وبهذه الطريقة تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على موارد المنطقة وتتضمن عدم وقوعها تحت هيمنة قوى عظمى ناشئة مثل الصين أو الهند. ولا تتجاوز التعهدات الأمريكية بإقامة دولة فلسطينية حبراً على ورق، لكن الحقيقة هي أنه لو قدر لعملية السلام أن تنجح فعلاً في التوصل لصفقة سلام بين الدول الأعضاء في #الجامعة_العربية وإسرائيل، فإن منطقة شرق أوسط موحد ومزدهر بما فيه إسرائيل لما بقيت به حاجة فعلاً لواشنطن.
وهكذا نجد أن إسرائيل ليست وحدها صديقة غير صدوقة للولايات المتحدة، بل إن الولايات المتحدة أيضاً ليست بالصديقة المخلصة لإسرائيل. والفرق بين الإثنين هو أن الإسرائليين فيما يعون حقيقة علاقة "حك لي ظهري لأحك ظهرك" التي تجمعهم بالولايات المتحدة فإن معظم الأمريكيين لا يدركون حقيقتها. ويعود ذلك لكون واشنطن واللوبي الموالي لإسرائيل يعتمدون على الدعاية الإعلامية لجعل الأمريكيين يؤمنون بتطابق السياستين الأمريكية والإسرائيلية. الحكومة الأمريكية تريد أن تجعل كل الأمريكيين يصدقون بأن الإسرائليين هم أصحاب الحق، وعندها سيكونون مستعدين لمد أيديهم إلى جيوبهم من أجل إبقاء إسرائيل مدججة بالسلاح حتى لو كان ذلك يعني أن تصبح الولايات المتحدة هدفاً لمتطرفين مستعدين لإستخدام وسائل وحشية لتنفيس مشاعرهم المحقة بالظلم.
"لماذا يكرهوننا؟"
أصبح الأمريكيون مولعين بالسؤال "لماذا يكرهوننا" حين يرون بعض العرب أو المسلمين وهم يحرقون الأعلام الأمريكية على شاشات التلفزيون. حتى خمس سنوات مضت، كانت الولايت المتحدة تعتبر في كل الدول العربية رمزاً لحقوق الإنسان والحريات المدنية، وكانت التقنيات والثقافة الأمريكية محط إعجاب الناس فيما الشباب العربي كان يحلم بالدراسة والعمل في الولايات المتحدة. غير أن هذا الحال تغير عقب 11 سبتمبر حين إستخدمت إارة بوش هذه الذريعة لغزو أفغانستان والعراق وأخذت تعتقل المسلمين دون تهم أو محاكمات.
جورج بوش من أجل غاياته الخاصة هو يريدنا أن نصدق بأن عناصر متطرفة "تكره الديمقراطية والحرية". غير أن تقريراً للبنتاغون نشره على موقعه الإلكتروني عام 2004 يتطرق لهذه القضية بقدر أكبر من الصراحة. ويقول: "المسلمون لا يكرهون الحرية التي لدينا وإنما يكرهون سياساتنا. الغالبية الساحقة منهم تعبر عن إعتراضاتهم على ما يرونه دعماً منحازاً لإسرائيل ضد حقوق الفلسطينيين. ولهذا، حين تتطرق الدبلوماسية العامة الأمريكية لقضية إدخال الديمقراطية للمجتمعات الإسلامية، لا يرى المسلمون في ذلك سوى نفاقاً لخدمة المصالح الأمريكية".
وهذا صحيح. فغضب العرب والمسلمين يتأجج نتيجة الإنحياز الأمريكي لإسرائيل والذي يتضح في كل مرة تحاول فيها الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن الدولي التوصل لقرار يدين إسرائيل. وفي كل مرة نرى الولايات المتحدة وهي تستخدم حق النقض وغالباً ما تكون الصوت الوحيد المعارض.
لقد آن للولايات المتحدة أن تعود لدور الوسيط النزيه الذي كان لها فيما سبق وللشعب الأمريكي أن يعيد النظر في طبيعة علاقة بلدهم بإسرائيل. ولاريب في أنه سيأتي اليوم الذي يبدأ فيه الأمريكيون بتوجيه الأسئلة عما إذا كانت إسرائيل حقاً هي أوفى أصدقاء الولايات المتحدة أم أنها تدعي ذلك فحسب ما دامت أمريكا تواصل دعمها مالياً وتشن الحروب نيابة عنها وتتعامى عن القائمة المتزايدة من جرائم الحروب التي ترتكبها.