في مقابلة مع برنامج "هارد توك" على قناة ال بي بي سي البريطانية، سأل ستيفن ساكور مقدم البرنامج المحرر الثقافي للجريدة سيئة الذكر- بيلاندز بوستن – أنه وتحت مسمى حرية الرأي الذي من خلاله تطاولت صحيفته على سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هل يستطيع ان ينشر مثلا كاريكاتير حاخام يهودي في صورة نازي بعد أن يكون أحد المستوطنين قد قام بمهاجمة فلسطينيين وممتلكاتهم. فرد عليه ذاك المحرر بكل صلف بأن هناك قواعد أخلاقية تلتزم بها جريدتنا.
مع إقراري بصعوبة التفكير بمنطق عقلاني في مثل هذه الظروف التي نرى فيها التطاول على حبيبنا سيد الخلق يتم بطريقة تثير الاشمئزاز، الا انني اخترت ان انظر الى الموضوع وادرسه بطريقة علمية وعقلانية. يجول بخاطري ثلاث تساؤلات اود ان اطرحها هنا:
لماذا جرأ الغرب على التطاول على من يعتبره 1.3 مليار مسلم أهم وأغلى و أقدس شخص بعد الذات الالهية؟
في خضم محاولاتي الاجابة على هذا التساؤل أتذكر خبرا غطى جميع محطات الأخبار العالمية حينما تم اعتقال المؤرخ البريطاني دافيد ارفينج في جنوب النمسا وذلك في يوم 11 نوفمبر الماضي بموجب مذكرة إعتقال يرجع تاريخها لعام 1989 بتهمة نفي حدوث الهلوكوست. وصدور حكم السجن بحقه في وقت لاحق لثلاث سنوات. وللعلم فإن النمسا ليست الدولة الوحيدة التي سنت مثل هذه القوانين وانما هناك تسع دول أوربية منها فرنسا وسويسرا والمانيا وغيرها تجرم نفي حدوث الهلوكوست. بالطبع أنا لست بصدد الحديث عن موضوع الهلوكوست، ولكن ما أود أن أشدد عليه ان تلك الدول المتقدمة تحترم خصوصيات وشعور 14 مليون يهودي في العالم ويتم عمدا تجاهل مشاعر 1.3 مليار مسلم ؟!
ان نشر الكاريكاتير المسيء لرسولنا الكريم، قد تم في سبتمبر عام 2005 وهنا تجدر الإشارة وحسب ما أوردته صحيفة الجارديان البريطانية مؤخراً بأن نفس الصحيفة الدانماركية التي نشرت الرسوم المسيئة للإسلام كانت قد رفضت في إبريل من عام 2003 أن تنشر رسومات كاريكاتيرية رسمها الرسام الدانماركي كريستوفر زيلر تتناول سيدنا المسيح عليه السلام، وهذا ما يثبت سوء نيتها وقصدها المبيت بجرح شعور المسلمين، هذا ولقد حاولت الجالية المسلمة والسفراء العرب في الدنمارك تفادي التصعيد ولكن على ما يبدو أن حكومة تلك البلد أحست بأنه ليس هناك ما تخشاه ولا داعي لأي نوع من الاعتذار للمسلمين.
السبب الوحيد والمنطقي هنا هوو بكل أسف ضعفنا كأمة اسلامية وضعفنا كعرب منتمين الى الاسلام. لو كان يعمل للامة العربية أو الاسلامية أي حساب لما حدث كل هذا.
من المستفيد من تداعيات تلك الاساءة؟
أولاً: الأحزاب اليمينية المتطرفة داخل أوروبا والتي تدعو الى الحد من هجرة المسلمين الى أوروبا وتشديد قوانين الهجرة، فستجد تلك الاحزاب في ردة فعل المسلمين مبرراً لإتهامهم بالعنف وعدم لجوئهم للغة الحوار في تعاملهم، وهذا سوف يحد من هجرة المسلمين الى الدول الاوربية وستتراجع عملية إندماج الجاليات الاسلامية داخل المجتمعات الاوربية.
ثانياً: اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية اللتان كان يسبب لهما التقارب العربي الاوروبي الازعاج الشديد وذلك لانه في كثير من الاحيان كانت أوروبا تقف حجر عثرة لتنفيذ مخططات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعراق، ومخططات اسرائيل بالنسبة لفلسطين والدعم الاقتصادي والسياسي الذي كان الاتحاد الاوروبي يقدمه للفلسطينين. فمما لا شك فيه أن الفعل الشنيع الذي قامت به الصحيفة الاوربية وردة فعل المسلمين والعرب ستلقى بظلالها ولفترة طويلة على علاقتنا مع اوروبا، خصوصا اذا ما استمر الموقف الاوروبي يتسم بتجاهل مشاعر وأحاسيس العرب والمسلمين في هذه القضية الشديدة الاهمية بالنسبة لنا.
ماذا يجب علينا كمسلمين وعرب أن نفعل في مواجهة تلك الاساءة؟
أريد أن أشدد هنا بأن ديننا الحنيف أمرنا باحترام جميع الديانات السماوية. وأن أي رد على الاساءة الشنيعة لرسولنا الكريم يجب أن تأخذ منهجا حضاريا وبعيدا كل البعد عن الاثارة والعنف لكي نعكس الوجه الحقيقي للدين الاسلامي المبني على العدالة والسلام. لذا وتمسكا بهدي القرآن الكريم كما ورد في سورة البقرة "لا نفرق بين أحد من رسله" صدق الله العظيم، يجب أن نقول بأن التعرض لأي دين سماوي سواء من أنبياء أو دور عبادة أو شعائر يعتبر خطا احمرا لنا ويجب ألا نتجاوزه مهما كانت الاساءة والتحديات.
فسماحة الدين الاسلامي مثبتة تاريخيا وتعامله مع الاديان السماوية الاخرى وهو في أوج قوته وعظمته يجب أن يكون نبراسا لنا نتبعه، وهنا أذكر عندما فتح الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب بيت المقدس واستقبله البطريرك "صفروينوس" في كنيسة القيامة وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت الى البطريرك وقال له: "أين أصلي؟" فقال: "مكانك صل" فرد عمر "ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة، فان المسلمون من بعدي سيقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا".
لذا فان علاقتنا مع الديانات السماوية الاخرى وخاصة المسيحين العرب يجب ان تظل كما كانت دوما علاقة اخوية لايشوبها ما يعكر صفوها فهم عرب تجذرت أصولهم تضرب في الارض العربية منذ الاف السنين وهم بيننا ومنا وسيبقون كذلك حتى الاجل باذن الله.
في ضوء ماتقدم أرى أننا كمسلمين وعرب يجب أن نقوم بما يلي:
-
انشاء مؤسسات اعلامية اسلامية وعربية من ذوي الاختصاص لتوضيح ونشر صورة الاسلام هذا الدين العظيم وعن خاتم الانبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في جميع انحاء العالم.
-
القيام بحوارات حضارية على مستوى عال مع الدول الاوروبية وجميع دول العالم لاقناع تلك الدول بسن القوانين في بلادها، لتجرم من تسوله نفسه للتعرض لاي ديانة أو مذهب، أو يتطاول على أي من أنبياء الله وخاصة محمد وعيسى و موسى والاخرون.
-
مقاطعة شعبية لجميع المنتجات الدنماركية والنرويجية وجميع الدول التي اساءت لرسولنا الكريم، وذلك كي تصبح حكومات تلك تلدول واقعة تحت ضغط الشركات الكبرى فيها مما سيجعلها تدفع ثمن عدم اكتراثها بشعور المسلمين ويجبرها على منع حدوث مثل تلك الاساءات مستقبلا.
-
الاهم من ذلك كله أنه علينا كمسلمين وكعرب أن ننظر في المرآة ونرى حقيقة واقعنا، هذا الواقع هو السبب الاساسي الذي جعل الاخرين لا يضعوا لنا أي اعتبار.
كما أشرت سابقاً أن مجموع من يدينون باليهودية هم 14 مليون نسمة وتجد أن لهم احترام من جميع الامم، لا بل ان الامم تخشاهم وذلك لحجم تأثيرهم وقوتهم الاقتصادية والسياسية والاكاديمية.
لقد صدق الدكتور / محاضر محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق عندما ذكر امام المؤتمر الاسلامي الذي عقد في #بوتراجايا في اكتوبر عام 2003 عندما تحدث عن الثقل الكبير الذي يتمتعون به في قيادة عالمنا. لذا فاننا نحتاج الى وقفة صادقة مع النفس وأنني أدعو إلى تأسيس ملتقى عربي اسلامي دائم يجمع خيرة شبابنا المثقفين من جميع أنحاء العالم ونسمع منهم بكل صدق ودون تخويف أو ترهيب، وعليهم أن يضعوا لنا خطة متكاملة لكي نستطيع اللحاق بركب الامم المتقدمة. أصدقكم القول حينها، لن تسول لاحد نفسه بالتجرؤ علينا ولا حتى مجرد التفكير بذلك.
دعوة أخيرة أود أن أوجهها لاخواني العرب والمسلمين والمسيحين، دعوة من أجل اللاعنف والسلام في ردنا على تلك الاساءة الشنيعة. هنا أقول دعونا نتأمل رسولنا الكريم في خلقه وعاداته وكيف كان يصبر على اهانة قريش وغيرها من المشركين وحيث كان يعود لهدي القرآن فتعم روحه الطاهرة السكينة، فقال تعالى في محكم كتابه الكريم " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور" صدق الله العظيم "سورة آل عمران الآية 186".