يتحمل بعض من القادة السياسيين والدينيين الى جانب عدد كبير من الإعلاميين في الغرب جريرة تحريض الرأي العام ضد الإسلام. ولا يهم في هذا الصدد إن كان عملهم هذا غير مقصود. فالتحريض يحدث ولا بد من وضع حد له إذا ما أردنا منع "صراع الحضارات" الذي بشر به صمويل هنتنغتون من الوقوع فعلاً. كانت آخر هذه الهجمات في عمود بقلم روبرت ريديكير نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية وفيه وجه للإسلام تهمة "تمجيد العنف".
غير أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير، فالقوى المعادية للإسلام كانت لا تزال تتفاعل وتغلي منذ 11 سبتمبر 2001. وهذا التوجه الخطير يضرب جذوره في ثلاثة طبقات متباينة في الغرب: الساسة (مسؤولون حكوميون وإستخباريون وباحثون) وبعض القادة الدينيين إضافة لشخصيات إجتماعية بارزة (فنانون وإعلاميون). كانت بداية هذا الشرخ حدث جرى تقديمه على أنه زلة لسان غير مقصودة. فقد إتهم الغرب المسلمين بأنهم كثيرو الحساسية حينما بدرت منهم ردة فعل غاضبة على إستخدام الرئيس جورج بوش عبارة "الحرب الصليبية" في خضم أحداث 11 سبتمبر. لكن لو لم تكن تلك الكلمة قد أتت من إيفانجلستي ملتزم من طائفة الولادة الجديدة لربما وافقنا على أن يستفيد من عنصر الشك.
حينها إعتذر الرئيس الأمريكي وعاد كل شيء ليكون على ما يرام حتى ظهر القس فرانكلين غراهام المقرب من البيت الأبيض على الساحة ناعتاً الإسلام بأنه "دين خبيث وشرير جدا". ودون أدنى إكتراث بغضب زعماء مسلمين بارزين، صب القس التلفزيوني الأمريكي بات روبرتسون الزيت على النار حين وصف الإسلام بأنه "دين عنف". وبعد ذلك خرج الكاهن الإيفانجلستي جيري فولويل في خريف 2002 على شاشة سي بي إس في برنامج "60 دقيقة" ليقول بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو "إرهابي".
ثم في 2004 أنتج الكاتب والمخرج الهولندي ثيو فان غوخ فيلم "خضوع" الذي عرض فيه آيات قرآنية مكتوبة على أجساد النساء. لكن بعدها بوقت قصير أغتيل فان غوخ وكانت النتيجة تعبئة شعبية كبيرة ضد المسلمين في هولندا التي كانت تعرف حتى ذلك الوقت بتسامحها الديني. وتواصلت الهجمات على الإسلام في 2005 حيث نشرت صحيفة يولاند بوسطن الدنماركية رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولم تردع صيحات الغضب والإحتجاج على هذا العمل 143 صحيفة حول العالم عن إعادة نشر هذه الرسوم المسيئة.
طوال خمس سنوات تلت ذلك اليوم الرهيب في سبتمبر 2001 ما تزال الهجمات على الإسلام تتواصل دون أي رادع. في 10 أغسطس 2006 أصدر الرئيس بوش بياناً للشعب الأمريكي قال فيه "إن هذه الأمه في حالة حرب مع الفاشيين الإسلاميين". فهل نسي بوش يا ترى الجدل الذي أثاره إستخدامه عبارة "الحرب الصليبية" أم أنه لم يعد يعتبر مشاعر المسلمين شيئاً ذا بال؟ ولم يمض شهر بعدها حتى تجدد الهجوم على الإسلام ولكن من حيث لم يتوقع أحد هذه المرة. إنه البابا بينديكت السادس عشر. أعوان البابا تصنعوا الدهشة من شعور المسلمين بالغضب نتيجة عبارات معادية للإسلام نقلها رجل دين بارز يعتبر أكثر رجال الكنيسة الكاثوليكية تعمقاً فكرياً. وقال هؤلاء إن البابا شعر بالصدمة نتيجة غضب المسلمين. من المستبعد أن يكون سلفه البابا يوحنا بولس الثاني بهذه الغفلة.
في سبتمبر الماضي تسرب تقرير إستخباري أمريكي أشار إلى غزو العراق بأنه كان السبب وراء إنتشار واسع للعقيدة الجهادية. وراداً على هذا التقرير قال رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير: "11 سبتمبر الذي كان أسوأ عمل إرهابي في تاريخ العالم حدث قبل حربي العراق وأفغانستان. وإذا ما عدنا إلى تلك الحركة، التي قامت على نظرة معوجة ومنحرفة للإسلام، لرأينا أن جذورها بعيدة جداً". يبدو أن السيد بلير لم يفهم الأمر بعد (أو أنه يتظاهر بعدم الفهم). إن غضب المسلمين سببه المعاناة المتواصلة التي يتعرض لها الفلسطينيون وما تعرض له العراق من تدمير شبه كامل كما تشير العديد من التقارير الرسمية. غير أن رئيس الوزراء البريطاني يفضل أن يرمي باللوم على ما يسميه "عقيدة شريرة" على أمل أن يبرئ نفسه.
هذا كله ليس إلا غيضاً من فيض الإساءات التي وجهت للمسلمين منذ 11 سبتمبر. فتقارير كثيرة تزعم بأن حراس السجون الأمريكية قد وجهوا إهانات للقرآن. ومن حين لآخر يبعد المسافرون المسلمون من الطائرات لأن بعض الركاب يشعرون بالعصبية ويعترضون على وجود ركاب ملتحين أو يرتدون قمصاناً تحمل كلمات بالعربية أو ملابس إسلامية. كما أن المؤسسات الخيرية الإسلامية أصبحت موضعاً للاشتباه مما أدى إلى وقف التبرعات الخيرية على الرغم من أن الزكاة هي العماد الثالث للإسلام. بل إن بعض المصارف الإسلامية تعرضت لتجميد أموالها أثناء التحقيق في نشاطاتها. ولم تسلم المساجد والمكتبات الإسلامية من مراقبة الأجهزة الأمنية. كذلك تتعرض المدارس الإسلامية وكتبها الدراسية للتدقيق. وأصبح إرتداء الحجاب محظوراً في المدارس الحكومية الفرنسية مما أجبر بعض بنات العائلات الملتزمة على ترك مدارسهن.
وفي أكتوبر الحالي زار وزير الداخلية البريطاني جون ريد شرق لندن لإقناع المسلمين البريطانيين بتغيير طريقة تنشئة أبنائهم. وقال ريد وهو يتحدث إليهم: "إنتبهوا لكل الإشارات التي توحي بوجود شيء ما الآن. تحدثوا إليهم قبل أن تنمو الكراهية في نفوسهم وتجازفوا بفقدانهم إلى الأبد". وللمرء أن يتخيل أي حملة إعلامية غاضبة كانت ستحدث لو أن ريد حاول أن يوجه إصبع الإتهام لأحياء غالبيتها يهودية أو مسيحية. غالباً ما ينظر المفكرون الغربيون للإسلام من منظور حرية التعبير. وهؤلاء يجادلون بالقول إن لا شيء فوق النقد والمناقشة ويسعون لتصوير المسلمين الذين يعترضون على الإساءات الموجهة لعقائدهم بأنهم رجعيون لا عقلانيون ومثيرو مشاكل بل وحتى تلك اللازمة المفضلة لديهم الآن وهي "إرهابيون".
إن أحداً لا يستطيع أن يمالئ العنف أو الإغتيال رداً على كلمات قيلت نتيجة للجهل أو حتى يحاول فعل ذلك، غير أن من الواجب علينا أن نفهم أن الإسلام قضية شديدة الحساسية لمعظم المسلمين. الإسلام لهم هو أكثر من مجرد دين. إنه يتجاوز كونه مجرد شيء يمارسونه يوماً واحداً كل أسبوع. الإسلام للمسلمين هو طريقة حياة ووجود. كما يجب على النقاد أن يأخذوا بعين الإعتبار أيضاً تزايد الحساسيات لدى المسلمين في وقت يرون فيه أن بلادهم تخضع لإحتلال قوى أجنبية تسعى لتغيير شكل الشرق الأوسط حسبما تريده هي ويتعرض فيه المسلمون للخطف والحبس والتعذيب. ليس هذا فحسب، فحينما يتعلق الأمر بحرية التعبير يجب أن نعترف أيضاً بالحقيقة التالية: هل كانت حقوق أولئك الذين يدينون الإسلام ويسيؤون للنبي صلى الله عليه وسلم ستحظى بهذا القدر من الحماية والحماس لها في الغرب لو أن بيانات مسيئة مشابهة قد قيلت ضد اليهودية وليس الإسلام؟ لو كانت لدينا النزاهة فعلاً فإننا نعرف الإجابة الوحيدة على هذا السؤال إن حرية التعبير شيء عظيم. ولكن حتى في الغرب فان لها حدوداً سيكتشفها وعلى حسابه كل من يتجرأ على إثارة الفتن بين الحشود أو يطالب علناً بالقضاء على رئيس دولة أو يقلل من شأن الهولوكست. ولاريب في أن من يحاول عامداً إشعال نار الفتنة بين الأديان لا يقل جرمه عنهم.
وللإنصاف فإن المسلمين يجب أن يساهموا أيضاً في إصلاح ما انكسر. إذ فيما يتعين عليهم الحفاظ على يقظتهم في مواجهة الحملات السياسية المنسقة، لابد من أن يأخذ المسلمون بعين الاعتبار الخلافات الثقافية بين الشرق والغرب. فذلك النوع من الآراء الدينية التي تعتبر مسيئة لجوهر العقيدة لدى المسلمين ربما لا تكون بالضرورة ذات القدر نفسه من التأثير على الأمريكيين أو الأوروبيين. لتجنب تزايد الشرخ بين 1.4 مليار مسلم وباقي العالم يتعين على القادة المسلمين أيضاً اللجوء لكل الوسائل المنطقية لإجهاض هذه الهجمات المتعاظمة المعادية للإسلام التي تتم بموافقة من الحكومات.
إن صمت هؤلاء القادة هو في وجه منه نتيجة لمواضع الضعف السياسية والعسكرية الراهنة التي تعاني منها الدول الإسلامية. إذ من المشكوك فيه أن يستخدم أحد الزعماء المعاصرين في الغرب كلمات من مثل "فاشيون" أو "عقيدة شريرة" وهو يتحدث عن الصين أو روسيا على سبيل المثال. وعلى نحو ما تعتبر الملكة إليزابيث الثانية في بريطانيا دستورياً "حامية الدين" (في حالة كنيسة إنكلترا) يجب أن يرى حكام البلاد الإسلامية أنفسهم أصحاباً للدور نفسه. هذا لأنهم إن لم يكونوا مستعدين ليكونوا حماة دين وكرامة وأمن رعاياهم فمن الذي سيفعل ذلك إذاً؟ ولعل من المثير للإهتمام فعلاً هو أن الأمير تشارلز لدى توليه العرش يريد أن يكون "حامي كل الأديان" في رؤية راقية تستحق أن يحتذي بها الجميع.