إعتدت على أن يكرر علي الصحفيون سؤالهم عن الشيء الذي أعزو إليه ما حققته من نجاح، هم يعتقدون أنه سؤال تسهل الإجابة عليه، ودائما ما ينتظرون مني أن أجيب بنصوص سطحية تنفع لعناوين لامعة، غير أن الأمر في حقيقته أكثر عمقاً من ذلك ويستحق التمعن فيه أكثر قبل الإجابة.
بداية لابد للمرء أن يحدد ما نعنيه فعلاً بالنجاح. القواميس تعرف النجاح بأنه "#إنجاز_المرء_لمراميه". وبهذا المعنى، لا يكون النجاح هو القدرة على بناء الثروات على نحو ما يعتقده الكثيرون في هذا #العصر_المادي الذي نعيش.
النجاح في حقيقة الأمر هو قدرة الإنسان على تحويل طموحاته وأحلامه إلى واقع سواء كان حلمك هو أن تكون شاعراً مبدعاً أو سياساً أو أباً لأسرة سعيدة أو رجلاً حكيماً أو رجل أعمال أو إنساناً طيباً ورحيماً عن حق لا أكثر ولا أقل.
كلنا نعرف أمثلة عن أناس يبدون ناجحين للآخرين غير أنهم محطمون ومعذبون في داخل نفوسهم. هناك الكثير من الشخصيات البارزة ونجوم المجتمع على سبيل المثال ممن يبدون لنا وكأنهم قد جمعوا الدنيا في أيديهم لكننا حين نرى أفعالهم المدمرة للذات لرأينا كم هم محرومون.
انا لست أستاذاً كبيراً في تعليم الآخرين كيف يبنون أنفسهم بأنفسهم وليست لدي وصفة سحرية جاهزة للنجاح. ولو كان الحال كذلك لكنت حضرتها في عبوات جاهزة ووزعتها على أكبر عدد من الناس لأساعدهم على بلورة أقصى قدراتهم. غير أني أجد في نفسي القدرة على توصيف النجاح مثلما أراه وتقديم صورة مبسطة للقراء عن الطريق الذي مضيت فيه نحو تحقيق الذات.
كانت البداية مع الثراء الروحي الكبير بفضل ما بثه والدي الرائعان في حياتي من قيم راسخة وإحترام لأهمية الإستقلالية والإنضباط السلوكي. لقد نشأت في زمن كان شظف العيش هو السمة الطاغية على حياة السواد الأعظم من أهالي دبي، غير أن العلاقات الأسرية القوية والصداقات الحقيقية كانت تعوض عن ذلك.
في تلك الأيام كان التراحم بين البشر هو الطابع الأقوى الذي يطبع حياة أولئك الناس الذين شكل الصدق وإحترام العهد مكوناً عضوياً لشخصياتهم. لقد تربينا على كرم الضيافة ومد يد العون للمحتاجين وعلى الإيمان المطلق بأن سمعة العائلة هي أغلى ما تمتلكه. ويكفي أن المصافحة كانت تكفي لتكون عقداً لإبرام الصفقات التجارية. ما إختزنته ذاكرتي بولع عن تلك الأيام كانت رصيداً يكفيني لأبقى وافقاً على أرض صلبة.
لم يكن يخلوا يوم في حياتنا من التحديات والصعوبات الكبيرة أو الصغيرة التي تعين علينا تجاوزها، وكان كل يوم يأتي معه بنجاحاته الصغيرة أو بخيباته. هذه هي أحوال البشر في كل مكان وزمان دون استثناء.
آه، النجاح موضوع يتطلب كتاباً كاملاً للحديث عنه، فهو أكثر عمقاً وشمولاً من أن أغطيه في بضع صفحات داخل مجلة. وبغرض الإيجاز، سأقصر هذه السطور على عشرة عناصر أرى بشكل أو بآخر أنه لا غنى عنها لمن يريد بلوغ النجاح في أعماله التجارية: الطموح، الرؤية، الإخلاص، الإنضباط، التفكير الإيجابي، الحدس، الفرص، قدرة الحكم على الناس، مهارات التواصل مع الآخرين، الحظ.
الطموح عنصر لا غنى عنه. فقبل أن تبدأ بأى خطوة للأمام عليك أن تحدد لنفسك هدفاً أو مسلسلاً من الأهداف. أعتقد أن الكاتب الرائع نورمان فنسنت بيال هو الذي قال: "كل الأناس الناجحين لديهم هدف. ليس بمقدور أحد أن يصل إلى أي مكان ما لم يعرف مسبقاً إلى أين يريد الذهاب وما الذي يريد فعله". ومن أجمل المقولات المحببة لي هذه: "سدد إلى القمر، فإن أخطأته ستبقى رميتك بين النجوم". وبمعنى آخر، لا تخش من شيء! تقدم نحو ما تريد!
وحالما تضع نفسك على أول الطريق نحو الإنجاز، يجب عليك أن تطور لنفسك رؤية. تصور مشروعك. إنظر إلى الأفكار وهي تتبرعم وتتطور في مخيلتك. بعدها ستكون بحاجة لترتيب أولوياتك. في أول الأمر ستكون مضطراً لتكريس وقتك وطاقتك لتحقيق أهدافك. ركز عقلك على هدف واحد وكن مخلصاً له. وتذكر أن لا شيء يأتي بالسهل، فكن مستعداً لتقبل العمل الشاق.
وهنا يأتي دور الإنضباط في السلوك، حيث ستجد أن معظم الناجحين في عالم الأعمال هم ممن يستيقظون باكراً ويبرمجون لإنجاز أكبر قدر ممكن من الأعمال. ومقولة أن "الأرزاق توزع أول الصباح" ما تزال صحيحة اليوم مثلما كانت أبداً.
أيضاً يجب أن تحيا حياة صحية وأن تحافظ على معدلات عالية من الطاقة البدنية عبر الغذاء الصحي والتمارين الرياضية المنتظمة وتخليص ذهنك على الدوام من الأفكار السلبية. وإحرص على أن الإنفراد بنفسك قليلاً مهما كانت أعمالك كثيرة. وفي حالتي أحرص كل يوم على تخصيص ساعة أو اثنتين يومياً لألعب التنس أو لأستمتع بوقت جميل مع العائلة بقدر ما أستطيع.
عليك أن تؤمن وتثق بنفسك. وإن كنت تعتقد أنك قادر على إنجاز أمر ما فستنجزه. ومن المهم جداً أيضاً أن تطور قدرتك على الثقة بحدسك، ذلك الصوت الخافت في أعماقك الذي يحذرك أحياناً ويشجعك أحياناً أخرى. هناك أوقات نجد فيها أن عقولنا وقوتنا الفكرية تدفعنا بإتجاه واحد فيما حدسنا يحثنا نحو إتجاه آخر. ساير شعورك الداخلي. وإن لم تكن تعرف إلى أين سيأخذك طريق ما، فالقاعدة الذهبية هي ألا تمشي فيه.
النجاح في الأعمال يتطلب أيضاً الإستعداد لإغتنام الفرص السانحة. هناك أناس يمتلكون الموهبة الطبيعية للإنتباه لأي فرصة سانحة والإنقضاض عليها للإمساك بها، مثلما هناك أناس لن تحس عيونهم بوجود فرصة ما حتى لو قفزت أمامهم وإرتطمت بهم. وصنف ثالث يستطيع الإنتباه لظهور الفرص غير أنه لا يمتلك الشجاعة الكافية للإنقضاض أو أنه دائم التردد.
والإنسان ليس جزيرة تعيش في بحر لوحدها. كلنا بحاجة لمعارف وزملاء نستطيع الإعتماد عليهم. وأنا شخصياً أولي مسألة الولاء الأهمية القصوى، في الإتجاهين، الأخذ والعطاء. إن إحاطة نفسك بأناس ماهرين وموهوبين وطيبين أيضاً ممن يشاركونك إهتماماتك عن حق وأن تقربهم إليك أمر مفيد جداً بشكل لا تتصوره. وحين تصادف مثل هؤلاء الأفراد المميزين النادرين، عليك أن تكون قادراً على إكتشافهم وأن تقدرهم حق قدرهم. إن قدرة الإنسان على أن يحكم بشكل سليم على شخصيات الآخرين هو رصيد لا يقدر بثمن.
ونحتاج أيضاً لأن نتواصل ونتفاعل مع بعضنا. كما نحتاج أيضاً لأن نوكل الصلاحيات والمهام لأناس نثق فيهم. يجب ألا نكون مغرورين ونرفض يد العون حين تمد لنا أو نحجم عن مدها حين يحتاجها الآخرون.
وأخيراً سيكون من الحماقة أن يستبعد الإنسان الدور الذي يلعبه الحظ. كلنا نعيش دوماً حالات لا نستطيع أن نسيطر عليها. ودوماً ما ستكون هناك إنتكاسات للخلف على الطريق نتيجة لظروف ما كنا نتوقعها.
لا يمكننا أن نكون الرابحين على طول الطريق، غير أننا نستطيع أن نتعلم دروساً مهمة من كل إنتكاساتنا وحظوظنا العاثرة ما دمنا قادرين على الإستفادة من مواهبنا والنظر إلى النصف الملئان من الكأس بدلاً من النصف الفارغ.
قد لا نستطيع تحقيق النصر في كل معاركنا التي نخوضها في حياتنا لكن طالما حافظنا على رباطة جأشنا في حين يفقد كل الآخرين بصيرتهم، فإننا في نهاية المطاف سنكون دوماً المنتصرون في الحرب. وهذا هو النجاح الحقيقي!