أخرجني سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني عن سلوك إرتضيته لنفسي منذ نشوئي الباكر، وعن تقليد سرى في وجداني منذ أن لفحت شمس صحرائنا الباهرة ورعت خطواتي الأولى في الحياة، هذا التقليد العربي الذي تسلل إلى مفاهيمي وثقافتي مع رمال الصحراء الذهبية، ومع تفيئي لأشجار النخيل الباسقات المشرأبات نحو الأعلى، هذا التقليد يقضي بأن لا أخيط مديحاً
أو أدبج تملقاً او إطراءاً لرجال، رجال يستحقون المديح والتنوية. فعلى ما أعتنقت طويلاً وآمنت كنت أجانب المديح ولو بالإشارة أو التبريك على عمل بشري ولو بالتمتمات. "فالشكر لله وحدة"، هذا ما نلهج به نحن أبناء الخليج العربي في صبيحاتنا وأمسياتنا في لحظات تماهينا مع الخالق وفي لحظات حراكنا اليومي.
إلا أن سمو الشيخ بن خليفة أخرجني عن هذا التقليد، أخرجني عن مسلماتي حين استطاع وبنشاط منقطع النظير وبحراك دؤوب وبذكاء ورزانة ودبلوماسية غير معهودة وبهدوء واثق، إستطاع إنجاز ما عجز عن تحقيقة كل من سبقوه الي هذه المحاولة، فلقد إستطاع هذا الأمير العربي، المتأصل في عروبتة، والمتمرس في تدوير الزوايا وإجتراح الحلول، إستطاع "تحقيق المعجزة" اللبنانية وطي صفحة الإنقسام الوطني والخلافات المستحكمة والتشرذم القاتل والإنهيار الإقتصادي والشروخات الإجتماعية والمذهبية والطائفية في وطن العرب لبنان.
إستطاع حمد بن خليفة إستنقاذ وطن العرب الصغير من براثن وأنياب كثيرة كانت تحيق بة خطراً وتفتيتاً وإستهدافات لا حدود لها. وأثبت حمد بن خليفة أنه كان على قدر العهدة والأمانة التي أنيطت به وحملها برحابته العربية وشهامته الخليجية، وقرر أن لا ينام قبل جمع شمل "#الأخوة_اللبنانيين" إنطلاقاً من قطر على حد تعبيره. لقد تحمل ما لا يحتمل وعانى ما عاناه وإستمع
كثيراً وناقش كثيراً وتكلم بعيون الكلام كثيراً ووضع كل ثقل دولة قطر والخليج العربي لإخراج لبنان من محنته عبر تسوية عادلة وتاريخية تعيد الى وطن العرب الجريح ألقه وإزدهاره.
كان سمو الشيخ حمد ينطلق من ثوابت إلتزاماته العربية، بالتضامن والتآزر والتوحد ضد أي خطر مشرف على أي بقعة في الوطن العربي، فكيف إذا كان هذا الجزء هو الاغلى والأحب والأقرب الى قلوب العرب جميعهم، والأقرب غلى قلوبنا نحن أهل الخليج العربي.
فلبنان واحتنا، ومصيفنا، ومطبعتنا، ومستشفانا، وصحيفتنا، وفرحنا، وهمنا، وأهله هم أهلنا، احتضنونا واحتضناهم، تقاسمنا معهم "#ركوة_القهوة" وثمار التمر، تقاسمنا معهم الرغيف ولقمة العيش، تقاسمنا معهم ضباب مدنهم وينابيع مياههم وجلسات السمر والود. لقد أصبحنا نحن عرب الخليج "لبنانيون" بالشعور وأصابنا كلنا "الدوار اللبناني" سلباً وإيجاباً، حتى إننا وفي المدة الأخيرة كنا في قلب ما يحدث لحظة بلحظة وثانية بثانية، وكأن ما يحدث يدور في بيوتنا وفي أحيائنا وشوارعنا وبين ظهرانينا وقلوبنا. لقد اصبنا نحن أهل الخليج "باللبنانية" منذ أن تنشقنا هواء هذا البلد الحبيب، وما أصاب لبنان، لم يشفنا من هذه "الإصابة" ولعلنا وهذا قدرنا إرادتنا بأن نبقي "مصابين" بمحبتنا للبنان.
عذراً عن هذة الإستفاضة، والحديث هو حديث عن سمو الشيخ حمد بن خليفة، والمقام هو لتسجيل تحية إكبار ومحبة وإعتزاز بما أنجزه هذا الأمير العربي، إلا أن الحديث عن لبنان وفي كل مرة يجعلني أغلب المحبة عن كل ما عداها. ويأخذني إلى مطارح وأماكن متأصلة وكامنة في وجداني حيث ينبعث من داخلي حب لا يكبت، وشوق لا يستكين.
فإلى سمو الأمير حمد بن خليفة أقول سلمت يمناك وسلمت جهودك، وأدامك الله على ما فعلت وعلى ما ستفعل، لقد كنت القدوة وكنت المثال، كنت الصبور وكنت المثابر، كنت المسؤول وكنت المتابع. سلمت يداك، سلمت جهودك، لقد أعدت للدبلوماسية العربية، للوحدة العربية، للأخوة العربية الكثير من معانيها الصحيحة، وأثبت قطعاً وبالملموس أن العرب شعب جدير بتحمل المسؤوليات، وإن قيادتهم كافية وضامنة لحل أي مشكلة عربية طارئة كانت أم مقيمة وإن العربي أولى وأبقى لأخيه العربي.
تحية محبة وإكبار لك على ما أنجزته وتنجزه في جعل دولة قطر محوراً يتطلع نحوه الكبار، وعن إعادة الإعتبار إلى العمل العربي المشترك، وتحية محبة وتقدير إلى الصديق العزيز الشيخ حمد بن جاسم على حراكه المكوكي الذي أسس "للمعجزة اللبنانية" برعاية أمير البلاد ومتابعتة الدقيقة.
حمد بن خليفة ... شكراً لك مرة جديدة لقد أعدت للدبلوماسية العربية بعضاً من رونقها وعراقتها، وها هي مسيرتك وجهودك تتكلل بالنجاح المظفر لتثبت للعالم كله أن بإستطاعنا أيضاً نحن العرب بشكل خاص، أن نحل مشاكلنا بأنفسنا وأن نقف في مقدمة شعوب العالم وتجربتنا في دبي خير دليل حيث إستطاع صاحب السمو خليفة بن زايد وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن يضعا دولة الإمارات في موقع متقدم وكبير وفي مصاف الدول الكبرى على المستوى #الإقتصادى والثبات والأمن و الأمان .
تحية لكم جميعاً. بإسم كل عربي وإلى الأمام في مسيرة الخير والإعمار والأمن والإستقلال والإزدهار والعمل العربي المشترك. لقد أكدتم أن التضامن العربي ليس شعارات، وإن الوحدة ليست كلمات، بل هي عمل متواصل وعطاء مستمر.
ولا أسهو في هذه العجالة عن توجيه التحية إلى اللجنة الوزارية العربية وخاصة وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد على ما بذلوه من جهد لحل المعضلة اللبنانية.