تبذل الجمهورية الإيرانية جهوداً كبيرة لكسب الأصدقاء وممارسة قدر أوسع من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا في محاولة لكسب طوق العزلة الذي فرضته عليها عقوبات مجلس الأمن الدولي ويقول المسؤلون الإيرانيون إنهم يريدون إرساء علاقات سياسية وشراكات اقتصادية متينة مع جيرانهم. ولكن إلى أي مدى نستطيع أن نأخذ هذه المبادرات الإيرانية على محمل الجد في الوقت الذي تواصل فيه إيران عبر ممارسة القوة احتلال ثلاث جزر للإمارات العربية المتحدة حق تاريخي مثبت فيها؟
ليس هذا فحسب، بل إن عدداً من الدبلوماسيين والبرلمانيين والقادة الدينيين الإيرانيين أخذوا يتعمدون في الشهور الأخيرة إثارة المزيد من التوتر بتصريحاتهم التي يصرون فيها على أن طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى كانت وستبقى جزراً إيرانية.
وصعدت إيران حدة موقفها العدائي والمتصلب إزاء هذه القضية في مارس الماضي مع انعقاد قمة الجامعة العربية في دمشق الذي طالب إيران بإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث.
وجاء في إعلان قمة دمشق الذي أرسلت نسخة منه إلى الأمم المتحدة إن المحاولات الإيرانية المتواصلة لبناء مستوطنات وإجراء مناورات حربية في المياه الإقليمية للجزر المحتلة وأجوائها ومناطقها الإقتصادية وشعابها المرجانية تشكل كلها انتهاكاً صارخاً لسيادة الإمارات العربية المتحدة وسلامة أراضيها.
وفي الرد على هذا الإعلان، قال مندوب إيران في الأمم المتحدة محمد خزاعي في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترفض بقوة المزاعم غير الصحيحة للإمارات العربية المتحدة." ووصف الجزر الثلاث بأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية.
ونتيجة كل ذلك هي الجمود. فإيران تقول إن لديها مستندات ووثائق تاريخية تثبت أحقيتها بالجزر. ولكن إن كانت الحال هي كذلك بالفعل، لماذا ترفض الحكومة الإيرانية إحالة الأمر إلى التحكيم الدولي وتنكر أي علاقة لمحكمة العدل الدولية بهذا الخلاف؟
حتى هذه الللحظة أبدت الإمارات قدراً هائلاً من التحلي بالصبر في تعاملها مع طهران. وعلى مدى عقود من الزمن واظبت الإمارات على تأكيد حقها بالجزر الثلاث بطريقة هادئة ومتحضرة دون اللجوء لإستخدام الإهانات الصبيانية أو العبارات الجارحة.
لقد عمد قادة الإمارات إلى ضبط النفس والابتعاد عن الخطابة التصعيدية نتيجة شعورهم بالمسؤولية تجاه استقرار المنطقة التي تعاني أصلاً من القلاقل ولأن الدولتين شريكان تجاريان منذ وقت طويل. ولكن ما يؤسف هو أن طهران كما أصبح مؤكداً تفسر صبرنا هذا خطأ على أنه ضعف من جانبنا. غير أن الحقيقة هي أن قضيتنا قوية كما أنها تحظى بدعم قوي من المجتمع الدولي.
الكل يعرف أن الجزر الثلاث كانت منذ القرن الثامن عشر تابعة للقواسم في إماراتي الشارقة ورأس الخيمة وأن سيادتهم عليها كانت معترفاً بها من قبل الحكومة البريطانية.
كما يعرف الجميع أيضاً أن إيران حاولت في مناسبات عديدة شراء هذه الجزر أو استئجارها، غير أن عروضها هذه كانت تقابل بالرفض في كل مرة. وهذه المحاولات الإيرانية المرفوضة واحدة تلو الأخرى إنما تؤكد شيئاَ واحداً هو أن الجزر الثلاث لم تكن أبداً ملكاً لإيران لأنه ليست هناك من دولة تسعى لشراء أو استئجار أرض هي ملكها أو تعتقد انها ملكها.
ويعرض الكاتب والمستشار توماس آر ماتير في كتابه "الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة" وثائق تعود إلى القرن السادس عشر تؤكد أن قبيلة القواسم كانت تملك الجزر الثلاث وتستخدما لصيد اللؤلؤ ورعي الماشية. ويعتقد ماتير أن المزاعم الإيرانية ضعيفة وتفتقر لأى دليل مادي. ويوقل إن القضية إذا ما عرضت على محكمة العدل الدولية فإن الإمارات هي التي ستربحها.
وهناك خلاف آخر بين إيران والعرب يدور حول مسألة ما إذا كان اسم الخليج يجب أن يكون متبوعا بوصف "الفارسي" أم "العربي" أم الإكتفاء بتسمية "الخليج" وحسب. ويقول خزاعي في رسالته إلى الامين العام للأمم المتحدة إن أي بدلي لتسمية "الخليج الفارسي" ليست عملاً غير شرعي فحسب بل وتمثل "خدعة سياسية."
لكن الحال ليست كذلك. إن هذه المياه الصافية والدافئة تترقرق على شواطئنا مثلما هي على شواطئ إيران، وفي كل الأحول لا توجد اليوم دولة اسمها فارس. وإن كان الإيرانيون يريدون خرائط تحمل أصولهم التاريخية فليطبعوها لأنفسهم لكن دون محاولة فرض إملاءاتهم على الآخرين.
أما نحن فنفضل أن نعتمد نهجاً أكثر عقلانية وجدوى. وعلى سبيل المثال لا أرى أن بريطانيا غاضبة لأن فرنسا تستخدم اسم "المانش" لوصف ذلك الشريط البحري الفاصل بين الدولتين مثلما لا أجد أن فرنسا تشعر بالحنق لأن بريطانيا تسمى البحري نفسه "القناة الإنجليزية."
ولكن حينما يتعلق الأمر بجزرنا الثلاث فعلى الجميع أن يعلم بأن لباقتنا ومجاملاتنا تقترب شيئاً فشيئاً من نهايتها. لقد أمضينا 37 سنة حتى الىن ونحن نتبنى التهذيب لغة لتأكيد حقنا دون جدوى. إذ إلى متى سنواصل الشكوى للجامعة العربية وإرسال المزيد من الرسائل إلى الأمم المتحدة؟
إن كانت إيران راغبة بالفعل في مد يد الصداقة فعليها أن تقدم ما عليها تقديمه من تنازلات مثلما يفعل الجيران الطيبون في كل مكان من العالم عادة وأن تتبني المرونة في تعاملاتها. والاكتفاء برفض مباشرة أي حوار بخصوص النزاع على مصير الجزر الثلاث ليس كافياً. وعلى إيران أن تقرر إما إرسال مسؤوليها للجلوس مع مسؤولينا لبحث القضية بروح الرغبة في التوصل لحل أو أن توافق على إحالة القضية لمحكمة دولية.
لقد آن الأوان لترفض الإمارات محاولات المماطلة أكثر من ذلك. إن طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى لم تكن أي منها أرضاً بلقعاً خالية من البشر أبداً. بل كانت أراضي معمورة بأهلنا الذين سقط العديد منهم قتلى حينما استخدم رجال الشاه القوة للاستيلاء عليها وتحويلها إلى مواقع عسكرية.
علينا أن نقول لطهران "كفى" وأن نجعلها تعرف أننا نعني ما نقول. وإذا ما أصرت إيران على عدم التعاون معنا في هذا المسعى، يجب أن تواجه العواقب #الدبلوماسية والاقتصادية لهذا الرفض، وإلا فإننا نكون كمن يتخلى لها نهائياً عن هذه الجزر مع توجيه دعوة مفتوحة للطامعين الآخرين من كل حدب وصوب.