لو كانت هناك ميداليات أوليمبية تمنح للتفوق في أحاديث السياسية لكانت الفرق المتنافسة التي تمثل هذا الجزء من العالم هي من تحوز الذهب في كل مرة. وللتأكد مما أقول. ما عليك سوي ان تقلب التليفزيون بين المحطات الفضائية العربية لترى من يسمون أنفسهم بالخبراء وهم يسترسلون بلا نهاية في مناقشة القضايا الإقليمية الساخنة واستعراض المشكلات ذاتها التي خاض فيها أباؤهم وأجدادهم من قبل. والحقيقة التي لا مراء فيها هي أننا لسنا اليوم بأقرب من رؤية دولة فلسطينية مما كنا علية قبل 60 عاماً يوم قامت دولة إسرائل بأستخدام العنف.
ألأف الكتب والمقالات كتبت وأعداد لا حصر لها من البرامج الوثائقية أنتجت وبثت ومؤتمرات سنوية تعقد وكلها تتمحور حول هذة القضية. لكن ما الذي أوصلتنا إلية كل هذه المواجهات والنقاشات من نتائج ملموسة؟ لا شيء علي الإطلاق.
إن ما نحتاج إلية ليس المتكلمين وإنما الفاعلين. فحتي حين يجتمع قادة المنطقة في مؤتمرات القمة العربية لم يعد أحد يتوقع منها قرارات مصيرية. بل أصبحنا معتادين علي بيانات ذات نبرات مخففة يمكن لأي كان أن يوقع عليها مكرهاً قبل أن يتم ركنها علي الرف.
أين هم الأبطال الشجعان المستعدون للوقوف دفاعاً عما يعتقدون أنة حق وصواب في وجة الخصوم والمستعدون للعمل على تعزيز تماسك الوطن العربي بدلاً من الوقوف جانباً والفرجة عليه فيما هو يتفتت؟ متي سيدرك قادتنا أنه ما لم يقفوا جنباً إلى جنب ويرصوا الصفوف ويرسوا أواصر علاقة قوامها الثقة فإن أحداً لن يسمع لنا ويحترمنا باعتبارنا أمة عربية؟ لقد حان الوقت لنا نحن العرب ليكون لنا كيان مثل حلف الأطلسي لة قائد أعلى لدية الصلاحيات ليتحدث ويتصرف بالنيابة عنا جميعاً
في بعض الأحيان أشعر وانا أقرأ صحف الصباح وكأني قد أصبحت في عالم توقف فية الزمان عن التحرك. علي الصفحات الأولى، أو حتى على الأخيرة في بعض الأحيان، تتكرر العناوين نفسها عن غزة، ذلك السجن المفتوح الأكبر في العالم الذي يعاني "نزلاؤة" المدنيون الأبرياء الأمرين ليجدوا قوتاً لجائعهم أو دواء يخفف أوجاع مريضهم.
في 18 إبريل الحالي قالت وكالة #رويترز في أحد أخبارها: "كارتر يصف حصار غزة بأنه جريمة وفظاعة وحشية." الرئيس الأمريكي السابق يقول إن ما يجري ضد الفلسطينيين هو "تجويع حتي الموت."
كما يصف الوضع الراهن بأنه "عمل شنيع". وهو كذلك بطبيعة الحال. كارتر غاضب مما يحصل، لكن أين هو غضبنا نحن؟ كم من القادة العرب مستعد بأن يورط نفسه ويتدخل في الأمر؟
قبل بضع أسابيع شاهدت حلقة من حلقات برنامج "مناظرات الدوحة". وكان موضوع المناظرة هو "هذا المجلس يرى بأن الفلسطينيين يجازفون بأن يصبحوا أعداء أنفسهم"، وهو الطرح الذي وافق علية أكثر من 70 في المئة من المشاهدين في قطر.
يبدو لي أن نسبة كبيرة من الشباب العرب أصبحوا الأن يلومون شعباً أمضى عقوداً تحت الاحتلال على المصاعب التي يعانون منها. وبهذا يستطيع هؤلأء أن يعودوا إلي بيوتهم المريحة أو لمقاهيهم ليلتقوا بأصدقائهم وضميرهم مرتاح تماماً. إذ إن كان الفلسطينيون هم أشد أعداء الفلسطينيين الأن فإن كل ما يحل بهم إنما هو من صنع أيديهم ونستطيع نحن بالتالي أن ننام ملىء جفوننا دون شعور بأي مسؤولية.
إن دفن رؤوسنا بالرمل قد يكون مريحاً علي المدى القصير، لكن ما دمنا غير مستعدين لأن نتحمل مسؤولية الإمساك بزمام أمورنا ومصيرنا فحري بنا أن لا نتوقع الإحترام من أحد بل الصدود من الجميع. كنا نعرف أن خارطة الطريق ومؤتمر أنابوليس لم يكن فيهما سوى الوعود الكاذبة التي لم يكن متوقعاً لها أن تتحقق. كنا نعرف أنها لم تكن أكثر من أعمال تضليل لإقناعها بأن تقدماً ما سيتحقق. ومع ذلك قبلنا أن نصدق وأن نتفاعل معها ونحن نتثاءب.
لكن متي سنكف عن التظاهر ومحاولة إقناع أنفسنا بأن الإدارة الأمريكية هي صديقنا، متي سنعتقد مخلصين بأنه ليس لها سوى صديق أوحد لا ثاني له في هذه المنطقة، صديق مستعد لذبح الفلسطينيين ولرفع أسوار الفصل العنصري ولتوسيع المستوطنات وتكديس الأسلحة النووية دونما رادع. أمريكا بلاد عظيمة ولدي صداقات مع الكثيرين من الأصدقاء الأمريكيين الطيبين، غير أنني ليس لدي أي وهم إزاء سياستها الخارجية التي لا تعرف سوى وجه واحد، وجه مكرس دوماً لخدمة مصالح إسرائيل.
إلي متى سنواصل تسليم زمام قرارنا وسياستنا لقوة أجنبية نعرف تمام المعرفة أنها لا تعمل بما فية خدمة مصلحتنا هي وتتواطؤ مع أعدائنا؟
لقد آن الأوان لأن نقوم ونرسم خطتنا نحن وندعمها لتصل إلى نتيجتها المنطقية المطلوبة. علينا أن نحسم أمرنا ونقرر إذا ما كانت حماس هي العقبة الحقيقية أمام السلام أم أنها مجرد ذريعة لإسرائيل لتتنصل من التزاماتها. علينا أن نتدبر هذا السؤال: لنتصور جدلاً أن حماس اختفت اليوم من على الساحة نهائياً، فهل سيكون الفلسطينيون غداً إلى تسوية نهائية مع إسرائيل أقرب؟
من قراءتي للتاريخ، لا أرى أنهم سيكونون كذلك. بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 2004أعلنت إسرائيل عن انعطافة تاريخية جديدة نحو السلام. في ذلك الوقت لم يكن لحماس مكان في المعادلة السياسية. وأصبح محمود عباس، المعتدل، رئيساً للسلطة الفلسطينية ولكن بدلاً من التعاون مع عباس وصولاً لتسوية، فإن إسرائيل قررت تجاهله عملياً.
ثم تآكلت سلطته أكثر حينما طالبت الولايات المتحدة بإنجاز انتخابات نيابية حرة ونزيهة وهو ما أتى بحماس إلى السلطة. وعلى محو ما أصبحنا نعرف من الوثائق التي تسربت مؤخراً من وزارة الخارجية الأمريكية، فإن واشنطن التي أغضبها فوز حماس ضغطت على عباس ليقطع أي اتصال بقيادة حماس وأن يعمل على الأرض للإطاحة بها. وهذه السياسة الامريكية بعينها هي التي تسببت بالشرخ بين الفلسطينيين وهو ما أثر سلباً على قضيتهم.
كم من الاطفال في غزة مطلوب أن يذبح يا ترى حتى يتحرك قادتنا لوقف ما يجري؟ خمسة أطفال قتلوا الأسبوع الماضي فماذا كانت جريمتهم؟ القتل لم يعد له من ضابط. إسرائيل لن تتوقف عن القتل. أما الولايات المتحدة فلا ترى في ذلك أي مشكلة إذا كانت إسرائيل هي القاتل. وكل ما يفعله الوطن العربي هو إجراء السجالات التلفزيونية التي أصبحت تنتهي لنتيجة مفادها أن الفلسطينيين هم أشد اعداء أنفسهم.
ما لم نبدأ بالتحرك الجدي على جانبنا ونظهر للعالم أننا جادون وأننا نعني ما نقول فسنبقى على حالنا هذه غير مؤثرين في ما يجري من أحداث، وسيبقى مصيرنا هو أن نواصل التباكي والشكوى لستين سنة أخرى ويفتح أحفادنا جرائد الصباح ويروا العناوين المحزنة نفسها تتلاحق أمامهم. وحينها ما الذي سيقوله عنا أولئك الأحفاد وكيف لهم أن يعذرونا وهم يستمعون لأسئلة أبنائهم عن السبب الذي جعلنا نكثر الجدل ونقلل الفعل؟