تبيّن أن الحرب المزعومة على الإرهاب التي أُطلِقت قبل 12 عاماً رداً على هجمات 11 سبتمبر، عديمة الفاعلية تماماً مثل الحرب على المخدرات. فعلى الرغم من إنفاق مليارات الدولارات على استئصال الوباء الإرهابي الذي يستهدف الأبرياء يومياً، صمد تنظيم "#القاعدة" وأذرعه والجماعات المستنسَخة عنه، لا بل أكثر من ذلك، تزدهر هذه التنظيمات تحت غطاءات مختلفة.
عام 2001، كان تنظيم "#القاعدة" عبارة عن مجموعة صغيرة نسبياً من "العرب الأفغان" المستائين من السياسة الخارجية الأمريكية، وكان يتمركز في شكل أساسي في أفغانستان. أما الآن فيملك أذرعاً في العراق وسوريا واليمن والسودان والصومال والصحراء الغربية، والمناطق القبلية في باكستان، وشبه جزيرة سيناء في مصر، وأندونيسيا والفيليبين. كلّ واحد من هذه الأذرع تُحرِّكه مجموعة متنوّعة من الأهداف المحلّية الطابع، لكنها تلتزم كلها بالعقيدة الجوهرية نفسها التي تعتبر أنه يمكن الاستغناء عن حياة أي رجل أو امرأة أو طفل لا يشاطر تلك التنظيمات اقتناعاتها المتطرّفة. ولعل الحادثة التي شهدناها مؤخراً عندما أرسل تنظيم "الشباب" قتلة همجيين إلى مركز تسوّق في كينيا حيث أردوا 68 شخصاً بإطلاق النيران عليهم بدم بارد، خير دليل على ذلك.
ربما تباهى الرئيس أوباما باغتيال أسامة #بن_لادن الضعيف والمتخفّي، لكنه لم يحقّق نجاحاً يُذكَر في اجتثاث فكره العقائدي الذي يبدو أنه سيُعمّر طويلاً، ولا تؤثّر فيه الهجمات بالطائرات بدون طيار، ولا القنابل، ولا تقنيات المراقبة المتطوّرة، ولا رصد الاتصالات، ولا تكنولوجيا التعرّف على الوجوه، ولا تبادل المعلومات الاستخباراتية على المستوى العالمي.
يريدنا خبراء الإرهاب أن نصدّق أن معظم مؤسّسي "#القاعدة" قد أصبحوا في عداد الأموات أم في السجن؛ و"الغنيمة" الأخيرة هي أبو أنس الليبي المشتبه في ضلوعه في تفجير السفارتَين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، وقد ألقت القوات الخاصة الأمريكية القبض عليه خارج منزله في طرابلس في مطلع الشهر الجاري. لا يزال المصري أيمن الظواهري، الذي كان الساعد الأيمن لبن لادن، حراً طليقاً يُصدر بيانات سامّة ومشوّشة يحضّ فيها الإسلاميين المصريين على "رصّ الصفوف في وجه جزّار الانقلاب العسكري المتأمرك"، كما يدعو الجهاديين في سوريا إلى إنشاء خلافة إسلامية. وقد اعتقلت القوى الأمنية المصرية شقيقه محمد في أغسطس الماضي، لكن الظواهري الذي يُقال إنه العقل المدبّر خلف هجمات 11 سبتمبر لا يزال فاراً من وجه العدالة. فأين هو ومن يحميه؟
لا تزال أسئلة كثيرة من دون أجوبة حتى يومنا هذا. فمن أين يحصل تنظيم "#القاعدة" على التمويل؟ أين تقع معسكراته التدريبية؟ من يُصدر لأعضائه وثائق تتيح لهم السفر؟ كيف يتنقّل مقاتلوه حول العالم بسهولة ومن دون أن يُفضَح أمرهم على الرغم من الإجراءات المشدّدة التي تُطبَّق عالمياً لضبط الحدود؟ نطاق النفوذ الذي يتمتّع به تنظيم "#القاعدة" وحجم أنشطته كبيران جداً، بحيث يتعذّر التصديق بأن التمويل الذي يحصل عليه مصدره فقط أفرادٌ متعاطفون معه. كما أن إمكاناته الاستخباراتية المتطوّرة تشير إلى أن علاقات تعاون تربطه بالدوائر النافذة على أرفع المستويات.
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، تكوّن لدى الغرب اقتناعٌ بأن تنظيم "#القاعدة" يحصل على التمويل من مصادر عربية سنّية. لو كان ذلك صحيحاً، لما كان المسلمون السنّة من الأهداف الأساسية للتنظيم. هل هناك حكومات أو لاعبون نافذون غير دوليين يُحرّكون التنظيم في الخفاء، وفي هذه الحالة، ما هي المآرب التي يسعون إلى تحقيقها من خلال هذا الدعم؟ يكفي أن نتعقّب مصدر المال لنكتشف من هم أسياد الموت الحقيقيون.
إذا كانت القوى الكبرى تملك أقماراً صناعية تستطيع أن ترصد شخصاً يزرع في حديقته أو تتيح قراءة أرقام لوحات السيارات، وإذا كانت تملك القدرة والقوة النارية لمحو التنظيمات الإرهابية عن وجه الأرض، فلماذا تتردّد؟
هل نستنتج أن الولايات المتحدة والقوى العظمى ليست على مستوى هذه المهمة؟ يستمرّ إدوارد سنودن، الموظّف الذي كان متعاقداً مع وكالة الأمن القومي الأمريكية، في الكشف عن تجسّس الولايات المتحدة على الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني، حتى تلك المشفَّرة، فهل نفترض أن تنظيم "#القاعدة" يتواصل بواسطة الحمام الزاجل؟ بدلاً من التنصّت على الاتصالات الهاتفية لقادة الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، لماذا لا تركّز وكالة الأمن القومي على الاتصالات الهاتفية للجهاديين المعروفين والرسائل التي يتبادلونها بواسطة البريد الإلكتروني؟ لا يسعني سوى الاستنتاج بأن التنظيمات على غرار "#القاعدة" تُستعمَل لأغراض معيّنة، لكن السؤال يبقى ما هي هذه الأغراض؟
ما نعرفه هو الآتي:
في الظاهر، تبدو #إيران و"#القاعدة" على طرفيّ نقيض، إلا أن تقرير لجنة 11 سبتمبر يورد أنه في مطلع تسعينيات القرن الماضي "توجّه عملاء ومدرِّبون كبار في تنظيم #القاعدة إلى #إيران للحصول على تدريبات في مجال المتفجّرات". وفي يوليو 2011، اتّهمت الولايات المتحدة #إيران بتأمين ملاذ آمن لعناصر #القاعدة ومساعدة التنظيم على نقل الأسلحة والمقاتلين والمال.
علاوةً على ذلك، ثمة براهين موثَّقة تثبت أن معظم قياديي "#القاعدة" كانوا أيضاً أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين". في هذا الإطار، يُعتقَد أن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي سمح لتنظيم "#القاعدة" ومجموعات إرهابية أخرى بالحصول على موطئ قدم في سيناء، ومارس ضغوطاً لدى إدارة أوباما للإفراج عن عمر عبد الرحمن الملقَّب بـ"الشيخ الأعمى"، الذي يمضي عقوبة بالسجن المؤبّد في الولايات المتحدة بتهمة التآمر والتحريض في تفجيرات مركز التجارة العالمي عام 1993.
وثمة تقارير غير مؤكّدة أيضاً بأن "الإخوان المسلمين" ضالعون في الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي، ومع ذلك سعت إدارة أوباما، وهذا لغز محيِّر، إلى معاقبة مصر على عدم إدراج الإخوان في خريطة الطريق السياسية الجديدة، من دون أن تأبه إلى أن التنظيم يعتبر الحكومة المؤقّتة غير شرعية ويرفض أي مشاركة في العملية السياسية.
كما أن وجود "#القاعدة" وتنظيمات جهادية أخرى تهاجم قوات النظام السوري و"الجيش السوري الحر" على السواء هو لغز محيِّر آخر. كيف يدخلون سوريا؟ ومن أين يأتون بالسلاح؟ من يمنحهم التسهيلات؟ ثمة أمر مؤكّد، لقد نجحوا في تعكير المياه؛ لقد لوّثوا المعارضة الشجاعة والنظيفة، فبات من الأصعب على البلدان التي تدعم سقوط الأسد تزويد تلك المعارضة بالأسلحة الثقيلة التي هي بأمس الحاجة إليها من أجل إنهاء الحرب الأهلية سريعاً. وفي الوقت نفسه، يصبّ تدخّل هذه المجموعات في مصلحة الأسد، إذ يُتيح له الادّعاء أن من يحاربون جيشه هم إرهابيون مدعومون من الخارج.
لقد نالت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) فرصتهم. أراقوا الدماء وهدروا المقدّرات إلا أنهم أخفقوا في اجتثاث "#القاعدة" أو منعها من تجنيد عناصر جدد. حان الوقت كي يطبّق العالم العربي التزاماته الأمنية في هذا المجال، ويتبنّى مقاربة حازمة للتخلّص من هذا الشيطان الذي يهدّدنا جميعاً قبل أن يُحكم أكثر قبضته الخانقة على منطقتنا ويصبح من المستحيل تحطيمها.