إنهم يُعدّون مخططاً ما في البيت الأبيض، والرائحة التي تفوح منه باتجاه السعودية ودول الخليج ومصر لا تبشّر بالخير على الإطلاق. أمريكا هي من أقرب الحلفاء الغربيين إلينا، أو هذا ما يُخيَّل لنا. ولكن ما ينكشف من المستور يشير إلى العكس تماماً. تفتقر السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما حيال الشرق الأوسط والخليج إلى الشفافية، كما أنها تنطبع بالتناقض والتشوّش، وربما كان ذلك متعمّداً. سوف أسعى من خلال هذا المقال إلى توضيح الصورة أكثر.
قد يتحوّل أحد أكبر الهواجس التي تقضّ مضجعي إلى واقع ملموس. فقد حذّرتُ في مقالات عدّة من قيام تحالف غير مقدس بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية على حساب دول الخليج. وكتبت في مقال بعنوان "هل السنّة ضحايا لعبة كبرى جديدة" نشر في أبريل 2012، وما ذكرت في حينها:
"تعتبر مدرسة فكرية ذات مصداقية أن أجندة واشنطن في المدى الطويل تتمحور حول إغواء إيران للالتحاق بالمعسكر الأمريكي انطلاقاً من الافتراض بأن الشيعة العرب سيسيرون على خطاها... نظرياً، ترغب واشنطن في رؤية كيان قوي على غرار إيران يقوم بالأعباء التي تقوم بها في المنطقة تماماً كما كان الشاه يفعل حتى انهيار أوهام العظمة لديه. لكن أولاً، يتوجب عليها التضحية بالدول ذات الغالبية السنّية".
قبل عام، عندما كان محمود أحمدي نجاد لا يزال ينفث انتقاداته اللاذعة، ربما وجد بعض القرّاء صعوبة في تصديق التحليل أعلاه، على الرغم من أن العديد من مراكز الدراسات والبحوث الأمريكية فضلاً عن كتّاب ومحلّلين وسياسيين أمريكيين بارزين، بينهم جون كيري، يروّجون منذ وقت طويل للتقارب بين الولايات المتحدة وإيران. لا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن الرئيس أوباما تعهّد مدّ اليد إلى الإيرانيين خلال ولايته الأولى، قائلاً بأن الولايات المتحدة تريد وضع حد للعلاقة المتوترة بين البلدَين. إلا أن تلك المقاربة فشلت، والسبب الأساسي هو أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع فتح قناة للتواصل مع رئيس يُنكر المحرقة اليهودية من دون إثارة غضب اللوبي الموالي لإسرائيل.
ثم وصل حسن روحاني إلى الرئاسة، وقد مارس هذا الأخير سحره ودخل التاريخ بأنه أول زعيم إيراني يجري مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي منذ عام 1979. تقول مستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما، سوزان رايس، إن هذه الخطوة قد يتبعها تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. العاهل السعودي عبدالله ليس مسروراً بما يجري، أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيرغي ويزبد غضباً ناعتاً روحاني بأنه ذئب في ثوب حمل وديع.
لم يثر أوباما نفور حلفائه التقليديين وحسب من خلال هذا التقارب المستجِد مع نظيره الملتحي، بل أصاب المصريين بالصدمة والذهول أيضاً عبر دعم "الإخوان المسلمين" وإدانة الحكومة المؤقتة بسبب إعتقال قياديي جماعة الأخوان المسلمين. يسود اعتقادٌ في أوساط المصريين بأن الرئيس الأمريكي قام بتمويل حملة الإخوان في الانتخابات التي أجريت العام الماضي على خلفية صفقة معيّنة بين الولايات المتحدة و"الإخوان المسلمين". إنها نظرية المؤامرة! هذا ما اعتقدتُه إلى أن قرأت مقالاً في "وورلد تريبيون" قبل بضعة أيام نقل عن رئيس هيئة الأركان السابق في الولايات المتحدة، الجنرال هيو شلتون، قوله لقناة "فوكس نيوز" إن إدارة أوباما تعمل في العامين الماضيين على زعزعة الاستقرار في مصر والبحرين.
وقد نُقِل عن شلتون قوله "لو لم يقم الفريق أول السيسي بخلع مرسي، لتحوّلت مصر سوريا ثانية ولكان جيشها قد دُمِّر". أما بالنسبة إلى البحرين، فيشرح أن "أمريكا اعتقدت أن البحرين طريدة سهلة يمكن استخدامها مفتاحاً لانهيار منظومة مجلس التعاون الخليجي مما يمكن شركات النفط العملاقة من السيطرة على النفط في الخليج". يضيف شلتون أن الملك البحريني أحبط هذا المخطط عندما طلب من السعودية المساعدة في إخماد العصيان. إذا كانت هذه المعطيات صحيحة، فهي بلا شك مشينة ولا يمكن نسيان هذا السلوك أو العفو عنه في أي ظرف من الظروف، لا سيما وأن التدخّل الأمريكي وضع العراق في قبضة طهران، وسلّم ليبيا إلى ميليشيات متناحرة في حين أبقى بشار الأسد، رجل إيران، طليق اليد ليواصل حرب الإبادة التي يشنّها على غير الشيعة.
لعل جلالة الملك حمد يأخذ كلام الجنرال شلتون على محمل الجد. يورد مقال بقلم زهير سنتاف أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على العاهل البحريني لإقالة رئيس الوزراء، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، من منصبه تلبيةً لمطالب المتمرّدين الشيعة، بما يمنح انتصاراً لمثيري الشغب وبالتالي لإيران.
من اللافت أن رئيس الوزراء البحريني أبدى يوم السبت الفائت حماسته لتشكيل اتحاد خليجي فيما حضّ دول الخليج على قطع الطريق أمام التدخّل الخارجي. وقبل أيام من هذا التصريح، كان الملك حمد قد زار مصر لإجراء محادثات مع الرئيس المؤقت عدلي منصور من أجل "تعزيز التنسيق والمشاورات بين مصر والبحرين ودول مجلس التعاون الخليجي". وقد شدّد العاهل البحريني على دعمه لمصر في مجالات عدّة، وجرى التوصّل إلى اتفاق حول استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي عبر تشكيل لجان عسكرية وأمنية.
هل أصبحت الصورة واضحة؟
قلتها سابقاً وسوف أردّدها مراراً وتكراراً. على قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن يتنبّهوا للخطر الذي يلوح في الأفق. لقد بدأ العدّ التنازلي؛ فالخطة الأمريكية/الإيرانية على وشك أن تسلك طريقها نحو التطبيق. لا بد من المبادرة حالاً إلى وضع خطة جدّية للتحرّك.
أولاً، تتمتّع دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعةً بالقوّة الكافية للتحرّك، اقتصادياً وعسكرياً على السواء، ويجب ألا تسمح للقوى الخارجية بأن تتّخذ قراراتها نيابة عنها.
ثانياً، على مجلس التعاون الخليجي تنويع أسلحته عبر شرائها من بلدان مختلفة، بدلاً من الخضوع لأهواء دولةٍ تخسر بسرعة ثقة العالم بها، وعليه أيضاً إدارة علاقاته الدولية كما تُدار المشاريع في مجال الأعمال، أي بثقة وبالاستناد إلى الرؤية والتخطيط.
ثالثاً، على دول الخليج أن تتمعن في السياسة الإستراتيجية الإيرانية تجاه دول الخليج وذلك بالرد عبر تقديم الدعم المادّي للمعارضة الإيرانية، وليس المقصود بذلك عرب الأحواز وحسب إنما أيضاً الإيرانيون الذين يسعون إلى التحرّر من القمع والإستبداد. يجب أن تتذوّق الحكومة الإيرانية الدواء المرّ نفسه الذي تُجرِّعه لجيرانها. عند إضعاف إيران من الداخل، تنهمك بشؤونها الداخلية وتتحوّل أنظارها عن التسبّب بالأذى في الخارج، على أمل أن يقود ذلك إلى إنهيارها من الداخل.
رابعاً، على مجلس التعاون الخليجي أن يكفّ عن الامتثال للإملاءات الغربية. علينا فقط أن نقبل "النصائح" التي نعتبرها مفيدة والتي تخدم مصالحنا الوطنية. إذا لم نتحلَّ بالثقة بالنفس والقوة، لن تحترمنا الدول الأخرى.
أخيراً، على حكّام دول مجلس التعاون الخليجي تشجيع شعوبهم ليكون لهم رأي في القرارات التي تؤثّر في مستقبلهم، وكي يشعروا بأنهم محترَمون كأشخاص وطنيين أوفياء للوطن الذي يعشقونه. عندما تعمل الحكومات والمواطنون يداً بيد، لن ينجح أي مخطّط أجنبي في دقّ إسفين بينهما.
في غضون ذلك، يجب التدقيق جيداً في الاتهامات التي تتحدّث عن مخططات أمريكية لزعزعة الاستقرار في المنطقة، والتنبّه من هذه المخططات. يقول المثل الاسكتلندي "الأصدقاء الزائفون أسوأ من الأعداء الألدّاء".