مواطنو الأنظمة الديكتاتورية الذين يجازفون بأرواحهم لإطاحة الحكومات القمعية والأوتوقراطية والفاسدة يملكون كامل الحق في تحرير أنفسهم من العبودية التي يرزحون تحت وطأتها منذ عقود. لقد تحلّى الليبيون بالحكمة وتخلّصوا من القذافي وحماقات كتابه الأخضر، ويجب تهنئة السوريين على جهودهم الشجاعة لإسقاط الحكم الهمجي للأسد ونظامه. لكنني أعتبر أن المواطنين الخليجيين الذين يثيرون الشغب والاضطرابات في البحرين والكويت الآن هم مجرمون، لا بل خونة.
فبدلاً من أن يشعروا بالامتنان لأن الصدفة السعيدة شاءت أن يولدوا في هذه المنطقة من العالم ويتمتّعوا بنمط حياة وفرص يُحسَدون عليها وتبقى مجرّد حلم مستحيل بالنسبة إلى معظم الشعوب في أنحاء أخرى من العالم، ها هم الآن يعملون على زرع الشقاق والانقسام. فهم لا يكترثون لتوظيف مواهبهم بما يصبّ في مصحلة أوطانهم والرقي بها الى مصاف التفوّق والتميّز، بل يصرّون على نشر الخراب والدمار. بعضهم من النوع الذي لا يتحمّل مسؤوليّة فشله وعجزه عن النجاح، مفضِّلاً القاء اللوم على دولته، والبعض الآخر للأسف عقله مثل الإسفنجة يمتصّ الأيديولوجيات التي تذكّرنا بالقرون الوسطى.
أما الباقون فيسيرون خلفهم مثل القطيع، فهم إما شديدو التقاعس والكسل بحيث لا يمكنهم التفكير بمفردهم، وإما ينقصهم الّذكاء كثيراً إلى درجة أنهم لا يدركون أنهم يُستغَلّون ببشاعة من أشخاص وصوليين وجواسيس وعملاء للعدو خدمةً لاجندات خارجية. وهناك أقلّية من المثاليين الذين تأثّروا كثيراً بالدعاية الغربية التي غرست في عقولهم أن الديمقراطية هي الدواء لجميع الأمراض، متناسين أن الديمقراطية الحقيقية تحتاج إلى الوقت كي تنضج في المناخ المناسب الذي يُستحسَن أن يكون خالياً من المذهبية والتعصّب القبلي. انظروا إلى ما حقّقته الديمقراطية المزعومة للبنان والعراق، وسوف تفهمون ما أقصده. ولا تزال هناك علامة استفهام كبيرة حول المسار الذي تسلكه الديمقراطية الوليدة في مصر.
ليست الديمقراطية نبتةً يمكن نقلها إلى أي مكان في العالم وزرعها من جديد؛ هناك تربة تُزهر فيها وأخرى حيث لا يمكنها أن تنمو. لو تبنّى الصينيون الديمقراطية، هل كانت الصين، أحد أفقر بلدان العالم في السابق، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال أربعة عقود ونيّف؟ لست أدعو إلى التمثّل بالنظام الشيوعي الصيني. فقد ارتكبت السلطات الصينية انتهاكات مريعة لحقوق الإنسان على مر السنين. لكن لولا القبضة الحازمة القادرة على ضبط السكان وتطبيق الإصلاحات، لبقيت الصين فقيرة وعصيّة على الحكم.
أتذكّر جيداً الأزمنة الصعبة التي مرّ بها معظم #مواطني_الخليج عندما كنت فتى صغيراً. كانت الموارد شحيحة، لدرجة اننا كنّا نقتات فقط من التمر والسمك وحليب الجمال. والمياه الجوفية التي كنّا نشربها، في حال توافرت لنا، بالكاد كانت صالحة للشرب. لم يكن لدينا أجهزة تلفزيون، ولا سيارات ولا مكيّفات هوائية. لم تكن هناك مدارس أو مستشفيات جيّدة بحسب المعايير الحديثة. لكننا لم نكن نشتكي وننتحب من نصيبنا في الحياة أو ننتفض على حكّامنا الذين كانوا محبوبين ومحترمين في شكل عام، لأنهم كانوا يسهرون على مصالحنا حتى عندما لم يكونوا يملكون المال الكافي لتحسين مستوى معيشتنا. لم تكن لدينا مادّيات لنتباهى لها، لكننا كنا ، رجالاً و نساءً ، وطنيين نعتزّ بأوطاننا وثقافتنا وتقاليدنا والمبادئ التي نشأنا عليها.
أما اليوم فنحن مدلَّلون. ينعم مواطنو دول #مجلس_التعاون_الخليجي بمستوى عالٍ جداً من الأمن لا مثيل له في بلدان أخرى كثيرة. شوارعنا نظيفة، ومعدّل الإجرام منخفض مقارنة بالإحصاءات في بلدان أخرى. تُثير البنى التحتية والمنشآت التي نملكها دهشة الزوّار. ولا يُترَك أحد من دون طعام أو مأوى أو دواء، ولا وجود لمشرّدين ينامون في صناديق من الكرتون تحت الجسور أو يزدحمون داخل الخيم. نتمتّع بحرّية العيش حيث نشاء، وشراء ما نريد (وما لا نريد)، واختيار ما نرغب في مشاهدته بين مئات القنوات الفضائية، والسفر إلى أي مكان في العالم من دون أن يعترضنا أي عائق.
على النقيض من العراق وليبيا، فقد استخدمنا ثروتنا النفطية ركيزةً لإنشاء قطاعات تجارية ومصرفية ذائعة الصيت عالمياً. نعتمد سياسة الأجواء المفتوحة، ولدينا مناطق حرّة مزدهرة. إذا كانت الأمور سيئة إلى هذه الدرجة كما يحاول تصويرها الرعاع المخلّون بالأمن، فلماذا يتدفّق السياح الأجانب بهذه الأعداد الكبيرة إلى بلداننا؟ ولماذا يتمسّك المغتربون بالبقاء هنا على الرغم من أن "الوظائف الشاقّة" التي تكافأ بأجور مرتفعة جداً وسكن وبدل نقل لم تعد موجودة؟ "إننا بأفضل حال على الإطلاق"، بحسب تعبير رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ماكميلان. لهذا أعترض بشدّة على الانتقادات التي توجّهها منظمات حقوق الإنسان الدولية للحكومات الكويتية والبحرينية والإماراتية لاضطرارهما إلى اتّخاذ خطوات من أجل منع مجموعات مموَّلة من الخارج من ضرب الأمن القومي.
قال سعيد يوسف المحفظ، الناطق باسم مركز البحرين لحقوق الإنسان "البحرين: جنّة لممارسي التعذيب، وجحيم للمدافعين عن حقوق الإنسان". إنها أقصى درجات الهراء! لقد تميّزت العائلة المالكة في البحرين تاريخياً بالاعتدال والتسامح. لكن عندما يكون استقرار الجزيرة مهدّداً من الإيرانيين الذين يتسلّلون إلى هناك لغرس أفكارهم في عقول الأقلية الشيعية وتحريضها على اللجوء إلى العنف في الشارع من أجل احتجاز الأكثرية رهينةً لمطالبها، فمن الطبيعي جداً أن يكون حكّام البحرين مضطرين إلى الردّ بحزم لفرض النظام.
الحكاية نفسها تتكرّر في الكويت حيث يتمتّع المواطنون بأحد أعلى دخل فردي في العالم. هناك أيضاً، عمد متشدّدون إسلاميون يسعون إلى إثارة الفتن، إلى تعطيل مجلس الأمة، ويحرّضون الكويتيين على إسقاط أسرة الصباح من أجل الإفساح في المجال أمام الديمقراطية التي سيستخدمونها بلا شك مطيّة لفرض نظام ديني.
على حكّام الكويت والبحرين والإمارات أن يصمّوا آذانهم عن الكلام العشوائي الذي تطلقه المنظمات الحقوقية ولا يؤدّي سوى إلى تفاقم الاضطرابات الحالية. إنهم مثاليون سذّج وضيّقو الأفق لا يكلّفون أنفسهم عناء النظر إلى المشهد الأكبر، ولا يأبهون للتداعيات التي يمكن أن تترتّب عن السماح لكل من لديه شكوى ما بأن يحرق السيارات أو يقطع الطريق أمام حركة السير. فبدلاً من كتابة تقارير سلبية عن سجل دول الخليج في مجال حقوق الإنسان، من الأجدى بتلك المنظمات التركيز على ما يجري في سوريا حيث يتعرّض الأطفال يومياً للقصف وإطلاق النار وبتر الأعضاء والتعذيب. وحريٌّ بهم أيضاً الالتفات إلى ما تفعله إسرائيل التي تمنع معظم الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى، وتسرق منازل الفلسطينيين وأراضيهم في القدس الشرقية والضفة الغربية لتوسيع المستوطنات اليهودية، وترسل قواتها الخاصة للاعتداء على الناشطين الدوليين على متن السفن التي تحاول خرق الحصار غير الشرعي المفروض على غزة.
لا تكف "منظمة العفو الدولية" التي تتّخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، عن شجب الأحكام القضائية البحرينية في حين أنه يجدر بها تركيز اهتمامها على إغلاق سجن غوانتانامو والدفع نحو إلغاء معاهدة تسليم المتّهمين الموقَّعة بين الولايات المتحدة وبريطانيا في عهدَي بوش وبلير والتي تجيز تسليم المواطنين البريطانيين على وجه السرعة إلى الولايات المتحدة من دون إثبات على التهمة الموجَّهة إليهم. وكذلك تنهمك "منظمة هيومن رايتس ووتش" التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، بنشر تقارير تتضمّن انتقادات لاذعة للحكومة البحرينية بسبب "التوقيفات الاعتباطية والحجز العشوائي"، فيما يبلغ عدد السجناء في الولايات المتحدة 2.1 مليون شخص، وهو الأعلى في العالم، كما أن السجون الأمريكية مكتظّة جداً، ويوضَع عدد كبير من السجناء في الحبس الانفرادي، لمدّة تصل إلى 40 عاماً في بعض الولايات.
ينبغي على كل الدول الخليجية أن تسهر على حماية مصالح الأكثرية التي تحترم القوانين وتتخوّف من المخاطر المحدقة بوجودها الهانئ والسلمي. أما العدَميّون الجاحدون الذين يستخدمون العنف لاحتجاز بلدانهم رهينةً فيجب نفيهم إلى مناطق تجتاحها المجاعة حيث يأكل الأكثر فقراً العشب ويقطعون مسافات طويلة للحصول على حليب الأطفال من المؤسّسات الخيرية. عندئذ سيكون حال هؤلاء الذين جحدوا بنعمة الله عليهم المصير الذي قد يتهددهم، حيث ضرب الله تعالى في القرآن الكريم هذا المثل: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } النحل :112