مرّت عشر سنوات على استخدام تسعة عشر مجرماً همجياً طائرات ركّاب لمهاجمة رموز للقوة الأمريكية. قلّة بيننا ممّن شاهدوا مرتاعين برجَي مركز التجارة العالمي ينهاران وسط سحابة هائلة من الغبار أدركت أن 11 سبتمبر 2001 سيصبح اليوم الذي تغيّر فيه وجه العالم، إنما للأسف ليس نحو الأفضل.
لا تزال تداعيات ذلك اليوم القاتم في التاريخ الأمريكي ماثلة في أفغانستان والعراق، هذين البلدين اللذين ما كانا ليتعرّضا للقصف والغزو لولا وقوع هجمات #11_سبتمبر. لسوء الحظ، استعجل جورج دبليو بوش الانتقام، فبدّد حسن النيّة لدى العالم الإسلامي بعد #11_سبتمبر، وألهب مشاعر العداء لأمريكا، مما أدّى إلى تجنيد تنظيمات جديدة مستنسخة عن تنظيم القاعدة. لربما بوصفه قائداً أعلى للقوّات المسلحة، كان لازما عليه أن يردّ على الهجمات، لكن أسلوبه لم يحقّق له النجاح الذي كان يتوق إليه.
لم ينجح بوش في العثور على أسامة بن لادن، ولم يتمكّن من اجتثاث حركة طالبان، وأسفرت جهوده الهادفة إلى نشر الديموقراطية في العراق إلى تقديم هذا البلد العربي، مهد الحضارة، على طبق من فضّة للملالي الإيرانيين. كان يمكن تفادي تلك الأخطاء لو أن إدارته اعتبرت أن هجمات #11_سبتمبر هي من صنع مجرمين، وتعاونت مع القادة العرب والمسلمين في جمع المعلومات الاستخباراتية، واستخدمت القوات الخاصة لمطاردة بن لادن كما فعل الرئيس باراك أوباما في وقت سابق هذا العام.
دفعت سياسة بوش – ولا سيما اعتقال 5000 مسلم في أمريكا وسجنهم في أعقاب #11_سبتمبر وإغلاق المؤسّسات الخيرية الإسلامية – بالإعلام اليميني الأمريكي إلى إدراج مسلمي العالم وعددهم 1.5 مليار نسمة في الخانة نفسها مع المرتكبين الذين يستحيل أن يكونوا مؤمنين لأن الإسلام يعلّمنا أن من قتل نفساً واحدة فكأنما قتل الناس جميعاً.
طُلِب من المسلمين فجأة أن ينأوا بأنفسهم عن الإرهابيين الذين لا يميّزون بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى عندما يشدّون وسطهم بحزام متفجّر أو يقودون سيارات مفخّخة ويقتحمون بها المباني. ووُضِع المسلمون الذين يحترمون القانون في دائرة الشبهات إلى درجة أن عدداً كبيراً من الأمريكيين العاديين بات يخشى السفر في الطائرة نفسها مع أشخاص يقرأون القرآن أو يرتدون قمصاناً طُبِعت عليها أحرف عربية.
ودعا المعلّق في قناة "فوكس نيوز"، مايكل مالكين، إلى وضع كل المسلمين الأمريكيين في معسكرات كما حصل مع الأمريكيين من أصل ياباني خلال الحرب العالمية الثانية. وأعلن القس في ولاية فلوريدا، تيري جونز، عن "يوم لحرق القرآن"، وتظاهر الآلاف احتجاجاً على إنشاء مركز إسلامي على مقربة من مقر مركز التجارة العالمي السابق أو ما يعرف "بجراوند زيرو" في منهاتن. في لحظة معيّنة، بدا صِدام الحضارات محتوماً. لكن حمداً لله، نجا العالم من تلك المحنة؛ وساد في نهاية المطاف الرابط الذي يجمع بيننا كأفراد في الجنس البشري.
علينا الآن أن نضع #الجراح القديمة خلفنا ونمضي قدماً. تحيي الحكومات ووسائل الإعلام ذكرى #11_سبتمبر سنوياً منذ عقد، لكن من أجل تحقيق الشفاء وردم الهوّة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، يجب أن نتوقّف عن نكء #الجراح القديمة أو الإمعان في الأسى الذي يمكن أن يدمر فرص جمع الشمل.
أحد تعريفات "الشر" هو الجهل. علينا التخلّي عن فكرة أن هوّة كبيرة تفصل بين الغرب والشرق وأنه لا يمكن أن يلتقيا أبداً. يجب أن نعلّم أولادنا أننا ربما نحمل معتقدات مختلفة، ونتبع تقاليد مختلفة ونرتدي ملابس مختلفة، لكننا جميعاً مواطنون في قرية عالمية تزداد تقلّصاً. وينبغي علينا أن نشرح لهم أن أهل الكتاب – المسلمين والمسيحيين واليهود – هم جميعاً أولاد إبراهيم وابنَيه إسحق وإسماعيل.
يجمعنا الإيمان بعدد كبير من الأنبياء مثل آدم ونوح وموسى، فيما يكنّ المسلمون التبجيل ليسوع كنبي وتحتلّ أمّه السيدة مريم العذراء مكانة مرموقة جداً لديهم. يجب أن يفهم الناس أن هذه الأديان الكبرى الثلاثة تعبد الإله الواحد نفسه حتى لو كانت تعرفه بأسماء مختلفة.
سرّ تعزيز التسامح والتفاهم هو التعليم. يجب أن نرفع الغمامة التي تحجب عنا الرؤية ونفتح عقولنا. على كل طرف أن يتخلّى عن خوفه المتأصّل من الآخر تحقيقاً للسلام. من جهتي، أحاول المساهمة في تعزيز التفاهم بين الأديان من خلال افتتاح مسجد ومركز الفاروق الإسلامي في الجميرا – هديّتي إلى أهالي دبي – ووضعه في تصرّف غير المسلمين كي يتمكّنوا من القراءة عن الإسلام في مكتبة المركز، وطرح أسئلة على الإمام، ومشاهدتنا ونحن نؤدّي الصلاة.
لا يمكن تغيير الماضي. يجب تذكّر ضحايا #11_سبتمبر على الدوام وتعلّم دروس مما جرى. لكن يجب السير قدماً نحو الأمام. أصلّي كي نسلك ذلك الطريق نحو غد أفضل في الوحدة والانسجام. فيما ينتصب مركز جديد للتجارة العالمية شامخاً نحو السماء ومبشِّراً بفجر جديد، علينا أن نغلق الآن بكل احترام ونهائياً صفحة #11_سبتمبر وكل الألم الذي أعقبها.